اليمين أو اليسار …

0 397

من أكثر الكلمات التي لعبت و تلعب دورا في الحياة السياسية أو المطابخ السياسية كما يحلو للبعض تسميتها خلال القرنين الماضيين كلمتا: اليمين و اليسار.
.ذلك إنهما كلمتان تتحكم فيهما النسبية إلى حد بعيد و لذلك لا يستطيع المرء أن يجد في أي قاموس سياسي شرحا كافيا و شافيا لمعنى أي كلمة منهما واصل هاته التسمية بدأت حين جلس نواب الحكم على مقاعد اليمين في برلمان إنجلترا و نواب المعارضة جلسوا على اليسار،فهاته الكلمتان لم يعد لهما أي مدلول سياسي لغوي،فقد يكون اليمين في الحكم اليسار في المعارضة و قد يكون العكس مهما حدث من تبادل للمقاعد إنهما كلمتان تتحكم فيهما النسبية إلي حد بعيد ،بمعنى أن وصف مجموعة من الناس بأنهم من أهل اليمين أو من أهل اليسار،يختلف باختلاف الزمان و المكان،فما كان يعد يمينا أو يسارا في عصره أو قطره،غيره في قطر أو عصرٍ آخر.    .

و كثيراً ما يتفرع هذا التقسيم الأساسي إلى تقسيمات فرعية، ففي البلاد التي تزداد فيها حدة الروح الفردية، كإيطاليا، فرنسا، نجد عدة درجات:اليمين المتطرف، ثم اليمين، ثم اليمين الوسط، ثم الوسط نفسه، ثم اليسار الوسط،ثم اليسار فقط،وأخيراً اليسار المتطرف.

القوالب المذهبية المحددة سابقاً و التي وُضعت منذ أكثر من قرنين قد تمزقت إلى حد بعيد بحكم تطور الحياة و الظروف، تطورات لم تكن مرتبة و لا محسوبة عند الذين وضعوا هذه القوالب،فصارت لدينا عشرات الأشكال و الأنواع من الاجتهادات في كل يسار و يمين دون إن ننسى إن النظريات الإيديولوجية قد نزلت عن عرشها إلى حدٍّ بعيد ، فبعد إن كان الحرص على سلامة التطبيق النظري الإيديولوجي ضروريا صار التجاوب مع الواقع العملي هو الهم الأول للسلطة..

و ها نحن نرى انه إذا كان القرن التاسع عشر و النصف الأول للقرن العشرين هو عصر حروب و صراعات الدول الرأسمالية فإن النصف الثاني للقرن العشرين تكاد تغلب عليه حروب و صراعات الكتلتين الشرقية و الغربية بينما يمتاز العقد الأول من القرن الواحد و العشرين بحرب شرسة و باردة على المستوى الاقتصادي (البترول،الغاز،المواد الأولية….) و على مستوى احتكار المعلومة التي غدت العملة النادرة و عصب الحرب و كلِّ الحروب.

لقد سادت نفسية الترف و الاستهلاك الغير المعقلن و الأنانية المادية بشكلٍ كبير بحيث صارت المجتمعات تعيش واقعاً فوق مستوى قدرتها على العمل و الكسب،وصارت  تتعرض لمنافسة عاتية من شعوب اقل ترفاً و أكثر جهداً،مثل الصين التي باتت تهاجم اكبر الدول الصناعية في عقر دارها و تنازلها أسواقها.

أظن أنّ هذا هو المأزق الأكبر الذي يواجه اليمين و اليسار على السواء، و لكن من سيكون ذلك الزعيم الذي يعلق الجرس في رقبة القط و يطالب باستهلاك اقل و عملٍ أكثر ؟

عمر غندون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.