السياحة التضامنية.. إبحار في المغرب العميق

0 867

في المغرب، هذا البلد الجميل، لا يتم الاكتفاء بورقة عن المؤهلات والقيم الحقيقية المتمثلة في المناظر الخلابة والمطبخ ذو الصيت العالمي والفولكلور والتاريخ العريق. فسحر هذه الجوهرة المغاربية، بمدنها العريقة وتنوعها الثقافي الجذاب، يتجلى، بشكل كبير، من خلال التوافد الكبير للسياح الراغبين في استكشاف الثقافة المتعددة للمملكة التي تبحث باستمرار على خدمات جديدة لتفرض نفسها كوجهة آمنة ومرغوبة.

الإقامة في المغرب تعني اكتشاف التنوع العجيب لمناظره وثقافته وعاداته وتقاليده من خلال صيغ الإقامة الأكثر استعمالا، لاسيما الفنادق والمآوى والقرى السياحية. لكن عشاق المغرب، الذين يرغبون في استكشافه بشكل آخر، والأكثر فضولا، يسعون إلى الاكتشاف الأصلي للبلاد لسكانها وبيئتها باختيار سياحة يمكن وصفها ب”التضامنية” عبر السكن لدى عائلات للاستقبال.

ويتيح هذا النوع من السفر الإبحار في المغرب العميق ويشكل فرصة لمعرفة أفضل للآخر.

ومن شأن تقاسم المعيشة مع أسرة مغربية لأيام معدودة واستكشاف حياتها اليومية بروح من التبادل الثقافي مع الحفاظ على الحياة الخاصة، أن يتيح للزائر ولمضيفه أن يعيشا تجربة إنسانية غنية.

ويمكن إيواء الأسر للسياح، وهو ظاهرة تتجه نحو التصاعد في المغرب، في نفس الوقت، من التبادل الثقافي والتنمية المستدامة. ولهذه الغاية، تضاعف جمعية تهتم بإيواء السياح لدى الأسر تأسست سنة 2000 بمدينة ليون الفرنسية، بمبادرة من السيدة ماري أنيك دورينون قيشوري، جهودها لتشجيع اللقاءات الثقافية بين الفرنسيين أو الفرنكوفونيين وبين المغاربة من خلال اقتراح إقامات تقتصر على المبيت والإفطار في جميع أنحاء المملكة.

وحسب السيدة ماري أنيك دورينون قيشوري، يتم الاستقبال لدى عائلات غير متخصصة في السياحة لتمكين الطرفين من التعارف ونسج علاقات متينة أحيانا، فضلا عن وعي المغاربة بغنى تراثهم المعماري وتشجيعهم على إصلاحه وتثمينه في احترام لفنهم.

وهكذا يمتزج غنى التبادل بضرورة تمكين السكان المحليين من أن يكونوا فاعلين حقيقيين في التنمية من خلال إيوائهم للسياح.

وبهدف النهوض بسياحة الاستقبال من طرف العائلات التي تعتبر أفضل طريقة لاكتشاف المغرب، تؤكد السيدة دوريون قيشوري أن جمعيتها تسعى إلى تشجيع المبادرات الفردية في إطار شبكة منظمة، حيث الفرصة متاحة للمشاركين في هذه المغامرة لاستكشاف التاريخ والثقافة والمواقع والأماكن غير المعروفة في الدلائل السياحية والتي تعد مهمة جدا (تازناخت وزرابيها ونقب وقصباتها وآيت عميرة وواحاتها).

وحسب المسؤول عن الجمعية بالمغرب، خالد قيشروي، فبالإضافة إلى الأسعار المتوسطة للغرف لدى السكان المستضيفين والتي تقل عن أسعار الفنادق، يبحث المسافرون من خلال إقاماتهم عن التعرف على الآخر وعلى الاختلافات والأوجه الأخرى للثقافات.

وأوضح السيد قيشوري أنه تم اختيار أزيد من 120 أسرة من مستويات اجتماعية مختلفة موزعة على جميع أنحاء المغرب باستثناء أقصى الجنوب حسب معايير (الوقاية والراحة والفرنكوفونية) تتيح استقبالا حارا لهؤلاء السياح من خلال اقتراح الإيواء والوجبات. حيث يضعون رهن إشارتهم غرفة أو عدة غرف بمنزلهم، مضيفا أن جلب دخل إضافي لا يكفي لكن ينبغي أن تستمتع العائلة باستضافة هؤلاء الأجانب.

وتفضل عائلة بنموسى التي تقطن مدينة الرباط وتعيش على الطراز الغربي، والتي استضافت لسنتين متتاليتين شابتين أمريكيتين، التبادل الثقافي واللغوي.

وعبر زوج ألماني يبحث عن الأصالة والتميز عن سعادته لكونه قضى الجزء الأكبر من إقامته لدى عائلة مضيافة بقرية أسفالو قرب قصبة آيت بنحدو بورزازات.

وقال السيد هانز البالغ من العمر 47 سنة، وهو يشده الحنين، “إنه ثالث سفر لنا إلى المغرب والأكثر تميزا لا محالة. فالإيواء لدى عائلة مغربية متواضعة وتقليدية كان بالتأكيد تجربة رائعة وأفضل طريقة لاكتشاف التقاليد عن قرب والعيش بشكل حقيقي على الطريقة المغربية بعيدا عن الفنادق العصرية”.

وأضاف أن الوجبات التي كانت تحضرها للارقية بعناية والتي كانت تقدمها صباحا ومساء كانت شهية ولا يمكن نسيانها، مشيرا إلى أن الغرف التي كانت مزينة على النمط التقليدي كانت مريحة ومرضية”.

وقد ظهرت هياكل متعددة في المغرب خلال السنوات الأخيرة للاستجابة للطلب المتزايد على هذا النوع من الأسفار التي تستقطب جميع الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، لاسيما مشروع “زيارات فاس” الذي يروم التعريف بالمدينة العريقة بطابعها الأصيل وتمكين عائلات الاستقبال من الحفاظ على مساكنهم.

من خلال الإقامة لدى العائلات المستضيفة، يعيش عشاق المغرب الأصيل مغامرة غنية واكتشافات لا تنسى، فالأمر يتعلق بالتفاتة ملتزمة لفائدة تنمية الساكنة المحلية والاقتصاد السياحي التضامني والمسؤول.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.