المغرب الراهن والوعي “العامي”

0 338

[box type=”shadow” align=”alignright” width=”95%” ]

Zagora Press – سعيد بوخليط[/box]
يعرف الجميع، كنه العلاقة بين اللغة والفكر.علاقة متماهية كليا،حد استحالة تحديد نقطة انتهاء أحدهما وبداية الثاني.فبقدر، صنع اللغة للفكر،يكون الأخير أيضا عند نفس الحيز،منعطفا تخرج منه اللغة. كأننا عند منطلق الجدلية اللانهائية،حين محاولة سبر الأولانية الزمانية،بين البيضة والدجاجة.
غير أنه فوق هذه الأرض اللزجة،للغة والفكر،التي يستحيل معها بالمطلق فصل ولادة ونمو ثم نضج اللغة،عن تجلي وتبلور وتأسس الفكر،أمكن القيام بتقنين معرفي موضوعي،لمبادئ ستمكننا خلال لحظة من لحظات تفاعلهما،تحديد هوية الفكر واللغة : 1-عمق الفكر، من غنى اللغة. 2 -تطور اللغة، ووعيها المستمر بذاتها،مرتبط بتراكم اجتهادات الفكر. 3- من يفكر جيدا،ينتج لغة سليمة متكاملة منطقيا ودلاليا. 4-لغة سطحية،تنتهي غالبا إلى الابتذال،تعني فكرا قاصرا.
يكفي إذن، استدعاء القائم والممكن بين اللغوي والفكري،ارتباطا بالمعطيات التي يكشف عنها المجتمع المغربي في تطوراته الحالية،حتى نختصر جانبا واسعا،بخصوص الجدال الإعلامي، المتعلق بقبول أو رفض إضفاء طابع مؤسساتي على الدارجة أو العامية،ثم الارتقاء بها كي تصير لغة عالمة،بالتالي إنتاجها للمنظومة الرمزية والقيمية التي ستوجه المجتمع المغربي.
حينما،نستدعي خطابنا السياسي،فلا أحد سيختلف ،على الأقل بالنسبة للذين لازالوا يوظفون لغة متأمِلة،أنه قد ولج بشكل لا رجعة فيه مدارج الهشاشة،يتكلم برطانة محكومة بمرجعية المكونات اللغوية لنسق العامية،فأخذ مسارا آخر غير الخيال والتأمل والإبداع،من تم عمق التفكير واللغة الخالقة المكثفة.
هكذا،أرسى ساستنا أصلا،دونما حاجة إلى تذكرة تعضيد من أنصار هاته الدعوة أو تلك،بنيات سوسيوثقافية لمجتمع،صار منظوره العام يقف عند محددات منطق الدارجة،على اعتبار أنها تعتبر الواقعي عين المعقول ولايمكن إقامة أفضل مما هو كائن،فالدارجة تضمر بين طيات فلسفة نسقها الدلالي والتداولي،تصالحا ملتبسا للواقع مع نفسه وللشخص مع وجوده،يصير داخلها الواقع أكبر من الذات،أو أن الأخيرة مجرد شيء ضمن باقي أشيائه. طبعا،الفكر الديمقراطي،في تجلياته النظرية المبدئية، أقر بأولية الذات عن الواقع.ولأن الأمر كذلك،فقد صار أصحاب السياسة لدينا،يتنافسون في إنتاج نفس العلامة اللغوية دون معنى معقلن،ويتناوبون على الخطاب عينه،لأن منظومة الخطاب العامي المستند على الدارجة،لايعيش المفارقة المعرفية للفكر والواقع، النظرية والتطبيق،مثلما يدركها بكل أريحية فكر اللغة المكتوبة التي راكمت طويلا ممارسة تفكيرية عميقة.
فمن هو الفاعل الرسمي اليوم للسياسة في المغرب،أي البورتريهات المؤثثة للمشهد،الذي تنسب له موهبة الإتيان بلغة غير دارجة شكلا ومضمونا؟يعني يبدع مفاهيم واقع، غير الواقع؟أو تلك المسافة المعرفية التي يحتلها الفكر.
في الإطار نفسه،إذا انتقلنا إلى الإعلام المغربي،باعتباره واجهة حقيقية ومقياسا أوليا،لدرجات تبلور وتجسد لغة عالمة، أم لغة بدون فكر !سنلاحظ نفس المنحى ،فهو إعلام عامي، يتوخى مجتمعا نمطيا بغير ذكاء،شفاهيا من الناحية الثقافية،ينحو نحو تلصص رخيص يثير ذوق العامة،من خلال استهلاك الأحداث البسيطة والجزئيات،فأينما وليت حواسك سواء الإعلام المرئي أو المسموع،وحتى صفحات كبيرة من المكتوب،فالسمة البارزة التي لا تخطئها البداهة،تكمن أساسا في الخاصية التالية : الناس مسترسلة في تقزيم فن اللغة.إنهم يسردون ويسردون بكيفية عُصابية، تفصح حقا عن دواخل مجروحة بكم هائل من الإخفاقات،لكن مسار اللغة وكيف أضحت تتمثل الأشياء والوقائع،تظهر بالملموس أننا نعيش فعلا منطق الفكر العامي الذي لن يكون إلا حبيس حدود منظور الدارجة بكل مايطويه،لذا فالدعوة، إلى هكذا أمر يبقى مجرد تحصيل حاصل،إن لم يكن روادها على دراية بأن انكماش تراث العدة الفكرية التي راكمتها الأنتلجنسيا خلال سنوات مجابهة مشروع السلطة السياسية،قابلها على النقيض تمددا يتسع بكيفية سرطانية،للأفق العامي غير العقلاني حتما.أو، إنهم يعلمون ذلك علم اليقين،لكن لمقتضيات لغة السياسة التي يطمحون إلى تعميمها وتجذيرها،يريدون مجتمعا لايتجاوز تفكيره أرنبة أنفه،مادامت اللغة التي يتداولها أفراده تبقى لغة،تستوعب مفاهيمها فقط الفوري والمباشر والأداتي.
إن المجتمع، الذي يقضي يومياته في ملاحقة تفاصيل غسيل بعضه البعض،هو بالضرورة مجتمع البروباغندا،واللغط الشفوي.مجتمع لايتأمل،بل يسكن إلى عطالة العقل من خلال جاهزية الإقرار،والمستوى الأخير يتحقق فقط بلغة لا تزال بعد عند حدود الفطرة الحسية.
لقد انحدرت السياسة في المغرب من المشروع المجتمعي،وفق الجدلية الوجودية بين اللغة والفكر،إلى سياسة لمجتمع تضلله اللغة السخيفة وتغرقه بين فجوات زيفها.اللغة، هنا سلطة أيديولوجية ماكرة بتغييب الفكر،والبقاء عند السطح.إنها موجهات الدارجة،التي تقف ميكانيزماتها حائلا آليا أمام الوصول إلى العقل الجمعي القادر على الفصل بين اللغة واللغة ومن ثمة الوصل بين اللغة والفكر،الحلقة الفيصل لكل مجتمع يريد الاستمرار في تقديس تميزه البشري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.