في ضرورة الإرادة في الحكامة الإدارية

0 378

تقديم: المرفق إدارة بلا رفق :
عن الوجدان الإنساني نتحدث ، وعن الضمير “المهني” الحي نبحث ، وعن السلوك الداخلي الموافق للسلوك الخارجي نفتش ، وعن الركن المعنوي للإدارة نركز، وعن الإرادة الحية ننادي ، لنعطي الروح للإدارة ، ذلك الجهاز الشكلي الصارم المائل إلى الشدة والهامل للإنسان الذي أوجده ، جسم بلا نفس ، ومادة بدون روح، آلية الدولة، ويدها التي تبطش بها، وعينها التي تبصر بها، وأذنها التي تسمع بها، وهواءها الذي تتنفسه، ووسيلة دفع الأذى عنها، تقضي حوائج الناس نعم، ولكنها لا حاجة لها بالناس، فهي تريد ما عند الإنسان، ولا تريد الإنسان،لأنها تعتبره مرتفقا لمرافقها.
عفوا أيها الفضلاء، من الإداريين فإنكم “حماة” روح الإدارة ، وعذرا أيها المرتفقون الأجلاء فأنتم سبب وجود الإدارة والمرفق. وأستسمحكم أيها الخبراء العقلاء فانتم بناة الإدارة ، فإنني أنزهكم عن الشبهات وأناشدكم أن توقدوا ” الشموع ” في الدهاليز الإدارية وظلماتها، وأن تحموها من الريح الجارفة التي ينفخها الوصوليون والمتقاعسون والعاجزون ،وهم من أخاطبهم في هذا المقال .
الوضعية الإدارية :
الإدارة المغربية إرث استعماري و ” تراث “فرنسي مترجم حرفيا إلى العربية ، وسلوك فرنكرفوني واضح، تتجسد فيه أفكار الحركة الإنسية، humanisme التي عرفتها نهضة أوربا في القرن السابع عشر الميلادي، التي تعاملت بالبركماتية النفعية مع الإنسان ، لذلك اعتبرته إداريا مرتفقا ولازمة من لوازم الإدارة، ومتاعا من أمتعتها، إلا أن الشيء الوحيد الذي لم يرثه الوصوليون المغاربة، هو الإرادة وأخواتها من قبيل ) الانفتاح ، الشفافية والمحاسبة .المساواة والعدالة في التعامل مع المواطنين .الشجاعة والفاعلية .وضوح وشفافية القوانين والقرارات .التنسيق والانسجام في بناء السياسات .احترام معايير السلوك الاخلاقية …) ،شعارات ركيكة المبنى وفارغة المعنى :طلاسم مبهمة ،وممارسات مشبوهة، استبداد إداري يفرضه رئيس مجلس ” الضيعة الإدارية “،وتسلط إداري يتسلق السلم الإداري ،حيث تتضح “النزوات الإدارية” لرؤساء الأقسام والمصالح ،و”تملص إداري ” يمارسه المتقاعسون والعاجزون إراديا وإداريا :مرتزقة الأوضاع المزرية،و “ابتزاز إداري ” يمارس على الموظفة دمية بشرية،و : ملك “مشاع” ،وفتيل “الحرب العاطفية” بين الوصوليين وسادتهم ، وبين المتقاعسين وشياطينهم ، وبين العاجزين وأقرانهم .و “إقصاء إداري ” و”تهميش إداري ” ينال ويطال الضمائر الحية وأصحاب الهمم العالية والإرادة القوية ،و “تماطل إداري” مبيت وممنهج ومقصود للمرتفقين،و”كساد إداري” عرقل “التنمية الإدارية” و’المردودية الإدارية”. لا نناشد ولا نحلم بإدارة مثالية ولا إداريين ملائكة ،ولا إدارة إلكترونية “عنكبوتية” متملصة من الرقابة ،و إداريين وهميين،ومرتفقين يغرر بهم ،وإنما نريدها إدارة واقعية ،وإداريين يقومون “الأداء الإداري” و”يكتسبون الإرادة”ويوظفونها في الإدارة ،ولهم رقابة ذاتية وضمائر حية .لا نريد الإداري الملتحي وإنما نريده مخلقا،ولا نريد الإدارية المتحجبة وإنما نريدها محتشمة،ولا نريد المرتفق الرفيق وإنما نريده مرتفق الإرادة، ولا نريد الإدارة الملتزمة وإنما نريدها محتضنة .
الضيعة الإدارية :
يسعى رئيس مجلس الإدارة الوصولي ،إلى “تأمين” منصبه ، و”ضمان” عرشه، و”دوام” ثروته، و”الحفاظ” على “مكانته الاجتماعية’، بإنشاء “ضيعة إدارية”، يصممها مسبقا مع “سادته” ،ويرفقها ب”دليل الاستعمال’ و”شروط الولوج” و”قواعد اللعب”،يختار لها من الوصوليين المتملقين: ويصنفهم حسب هواه ، بعد تجميد السلم الإداري، وخرق الاختصاص الوظيفي ، يخلق من الأطر الإدارية ، أطرافا جسده يفرقها على المرفق ، ويقسمها على مختلف الأقسام ، ويزرعها ويكلفها في المكاتب :هذا عينه، وذاك أذنه، وهذه يده،وتلك رجله، وهذا الرأس المدبر، وهذا لسانه يسلطه على الضمائر الحية لإقصائهم إداريا، وهذا مستشاره القانوني بارع في كشف الثغرات القانونية لتهميش أصحاب الهمم العالية، وهذا شيطانه يورط العفيفات من الموظفات، ويبتزهم مقابل عرض زائل من التنقيط ، وتأخير الترقيات ، والتلاعب بالملفات الإدارية، وخلق مقالب ومواجع إدارية، كأوراق ضاغطة وحجج قوية، تفقد العفيفات الإرادة، وتسلم نفسها مكرهة لا بطلة،حاشى العفيفات الصادقات.العوز والفقر والحاجة والهمة الباردة والإرادة الفاترة والإدارة المستبدة ، وحيف القضاء الإداري المرتشي،كلها أسلحة فتاكة ، يستعملها رئيس مجلس الإدارة ، ويشهرها في وجه العزل،في ضيعته الإدارية.قال تعالى “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.
نعم قد لا ينفع حذر من قدر ، لكن ضعف وغياب إرادة التغيير، نعتبره مزهريات تزين الضيعة الإدارية ، وطفيليات تضيع الحقوق وتفوتها، وفسائل للعاهات والأزمات الاجتماعية والمعضلات الاقتصادية والفساد السياسي ،يكتوي بها المرتفقون ، الذين يتعرضون لردود أفعال المتقاعسين ، وسوء تعامل العاجزين ، ومزاج الوصوليين، وتماطل الإدارة ، ورداءة جودة الخدمات، وتأخير التنمية الإدارية، وضياع حقوق الناس ومصيرهم ، وتبذير أوقاتهم وسرقة أموالهم ،وإهانة كرامتهم.لان الوصولي ناقص الأهلية وعديم الضمير وفاقد الإرادة.
ضياع الإرادة :
الطباع الإدارية تسرق الطباع الإرادية، إذا كثر الفساد وهيمن الاستبداد ،وساد الإقصاء والتهميش ،وعمت الفوضى ،وطغت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة،وتقوى عود العصابة الفاسدة المتعاونة مع القضاء المرتشي،الذي تقيده السلطة المتدخلة،و الدولة المتخاذلة ،الناقضة العهود والخارقة المواثيق والهاضمة الحقوق.
أين القوة الضاغطة؟ أين المنظمات الحقوقية ؟ أين النقابات؟ أين المجتمع “المدني”؟ أين الإرادة الحرة؟ أين المواطنة ؟ إنها أزمة الإرادة وكفى ، إنه غياب الضمير الحي ،إنه انعدام للوازع الداخلي الوجداني والنفسي والديني .ليس المطلوب فقط تغيير الجسد الإداري ـ وإن كان ضرورياـ في المضامين الدستورية، والظهائر الملكية، والدوريات الوزارية،والقرارات الرئاسية … وإنما التغيير المطلوب هو أن تدب الحياة في الجسد الإداري، وأن تسكنه الروح الإرادية ،وأن تغلب عليه المراقبة الذاتية .قال تعالى : ‘’إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” .
التغيير الإداري المنشود ،علاجي طبي عضوي “إداري”يقوم به فقهاء القانون ، ونفسي “إرادي” يقوم به الطبيب النفساني والمساعد الاجتماعي ،لابد لرئيس مجلس الإدارة وراعيها من الوصوليين المتقاعسين والعاجزين ، من جلسات استماع ،شريطة الاستعداد، والرغبة في العلاج .ولكن متى كانت الرغبة عند المريض النفساني أن يعرض نفسه على الطبيب ؟بل المعروف أن أهله هم الذين يقومون بهذه المهمة؟ . التغيير النفسي من عندنا ،وإن نغير ما بأنفسنا فإن الجو سيتهيأ للتغيير ” .
لا أجد عذرا ولا رخصة بعد هذا الوصف ،للفضلاء الأجلاء والعقلاء ،إن هم ساهموا في مؤامرة الصمت ،ولا أريدهم أن يكونوا كذابين ومنافقين ،أريد من إرادتهم أن تحررهم من الخوف،وأن لا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة،ومن التهلكة التعجيل بفطم المرتشي، وقلع بذور المفسدين قبل ينعها ،ومنازعة “الأمر أهله “،والتطاول على أباطرة الفساد.إنما الإرادة الشجاعة والجرأة الصادقة ،هي إقامة الحجة الميدانية ،ومزاحمة الفساد الذين يضيق من الإصلاح ويختنق من التغيير، »زُيًال إداري « في السلوك الإداري ، وتبسيط المساطر بعيدا عن البيروقراطية،و”تميز إداري” في الحضور الدائم والمستمر،و”جودة إدارية”في الخدمات،ليست هذه انتظارية ليموت الفساد موتته الطبيعية ،وإنما هو “تكتيك إرادي” لبلوغ “الاستراتيجية الإرادية”،التكتيك والاستراتيجية مفاهيم عسكرية،كناية على أن الفساد لا تقضي عليه إلا الحرب،لا نستبعد ” الإرادة الربانية ” والمشيئة الإلهية في التغيير،فهذا عطف وكرم من الله تعالى،وليس من المستحيل أن تكون ” الإرادة السياسية ” في التغيير،لأنها على الأقل من أنفسنا،فإن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن،كان ذلك لما عمل السلطان بالقرآن ويخاف الله تعالى ، و يعترف للإنسان بآدميته وبشريته، قبل أن يحيد السلطان عن القرآن ،فاستعبد السلطان الإنسان،واختلس منه إرادته ،وجعله عاجزا واتبع نفسه هواها،ألم يآن للإنسان أن يغير ما بنفسه لأجل التغيير الجذري العام ؟
إرادة وعزيمة المرتفق.
العنصر الفاصل في معادلة تغيير الإدارة هو “زبونها”أو المرتفق ، الذي من أجله أقيم المرفق ،فهو المرجع والمعيار. له أن يعارض جودة الخدمات والتي من المفروض أن يقبلها متى توفرت فيها شروط الجودة ،وله أن يرفضها إذا سادها خلل في شروط الجودة.استعملنا الخدمات كمفهوم اقتصادي ،تدخل ضمنه “الناتج الإداري” بما فيها الوثائق الإدارية،وباقي الخدمات المادية والمعنوية،ب الإضافة’’ إلى السمت الإداري” : من بشاشة الوجه ،وانفتاح القلب ،وراحة النفس،وحسن الاستقبال ،ولا تكون الخدمات تامة الجودة إلا إذا أنجزت في حيز زمني معقول،وكلفة منطقية.هذا ما يجب أن يتوفر في الخدمات ،فما المطلوب من المرتفق؟
من المرتفقين الصالح ،ومنهم الطالح ،ومنهم دون ذلك.من المرتفقين من ينجز مستلزماته لا بمعيار الجودة ولكن بمعيار جهوده وجاهه ،ينهج أقصر الطرق ،ويتخذ الدليل من ‘’سمسارة الإدارة’’ وشياطينها ،الذين يوحي بعضهم إلى بعض من الوصوليين والمتقاعسين والعاجزين ،الذين يبيعون ذمتهم بعرض جهنمي ،نارا يدخلها بطنه وبطن من يعول ،عافنا الله تعالى،نارا تأكل المال العام ،وتحرق بشظاياها الجسد الذي يتغدى بالحرام ،فقر في الإرادة وفقر في الإدارة ،وفرق في الريادة.مسكين الموظف المرتشي،يمد يده،‘’ تسول إداري”،يورث الجبن والعار و”الفقر الإرادي”.من المرتفقين المشوش والمتعصب والعنيف ،ولكن أسوء المرتفقين اللامبالي والإمعة،وأخطرهم الماكر والمخادع والانتهازي،الذي قد يورط الموظف في “الخطر الإداري الجسيم’’،وتكلف تصرفاته و”مخالفاته الإدارية” الإدارة الثمن الغالي ،و”السمعة الإدارية’’ السيئة ،و”القيمة الإدارية” الهابطة،و”التصنيف الإداري” الرديء ،أما المرتفقون أصدقاء رئيس مجلس الإدارة ،فهم في ضيعة أبيهم ،ولهم الحرية المطلقة.
خاتمة:الإدارة إرادة أولا:
تحدثنا فيما سبق ،عن الإرادة ،بصيغة الجمع :إرادة رئيس مجلس الإدارة ،وإرادة الموظف ،وإرادة المرتفق،كإرادات نفسية’’ إدارية’’،تحتاج إلى جلسات نفسانية للعلاج ،فيستحيل أن تتغير الإدارة بدون تغيرها .لن تكون النهاية لفرحتنا حينما تتوافق إرادتنا بالإرادة الربانية ،لكن لانهاية لحسرتنا لأن الإرادة السياسية عندنا متقاعسة ،التي انتظرنها كثيرا في أن تنضج وتغيير بنا ،إلا أنها تأخرت وأخرتنا معها ،فكان من الأولى أن نتغير أو نغيرها لنتغير معا ،ويتغير ما بنا ،وتتغير الإدارة بالإرادة.
فتشت عن الروح في الإدارة والمرفق ولم أجدها ،إلا في إرادة الفضلاء ووجدان الأجلاء وعزيمة العقلاء ،وتأسفت للوصوليين والمتقاعسين والعاجزين الذين ضيعوا الإرادة أو ضاعت منهم،فهل يسترجعونها؟نخاطب ونحاور الصادقين والراغبين في الرجوع والمراجعة والتوبة ونقذ الذات،أما من لا لوعة له ولا إرادة ولا غيرة له عن الإرادة ،فلا حديث معه،نقيم عليهم الحجة والبرهان ،ونكثر لهم من شهود الدنيا وشواهد الآخرة ،ونحرجهم بسمتنا مع الناس ،وجهاد بنائنا للتغيير ،وقول الحق في وجههم ،ولا ننازعهم في أمورهم ،دون أن نقبل منهم أن يخربوا أمورنا .ندعوا الله “أن يفصل بيننا وبينهم بالحق”.

محمد بن الطالب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.