عين على الشباب..

0 346

لا يمكن لاثنان أن يختلفا حول الأهمية الكبيرة التي تحتلها فئة الشباب في مجتمع يخطو خطواته نحو التقدم والتطور، ولا أن ينكرا الدور الفعال الذي يلزم أن تقوم به هذه الفئة خدمة للمجتمع أولا، وللبشرية ثانيا.. ولا نبالغ إذا قلنا إن العمود الفقري الذي يشد عضد المجتمع هي هذه الفئة التي تنتظر فرصها كاملة كي تعبر عن رأيها في جميع المجالات، في السياسة، في الفن، وفي الرياضة.. وغيرها..
والتاريخ البشري خير مثال يمكن أن نستدل به.. لأن نظرة واحدة إلى الخلف كافية لمدنا بشهادات عن حركية هؤلاء الشباب وحراكهم الاجتماعي والثقافي والفكري.. ثورة الطلبة ببارس، وهم شباب، المعروفة بثورة 68، والثورات الشبابية العربية في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، دليلان قاطعان على أن لا تغيير يحدث بدون فئة شابة قادرة على التساؤل والنقد والمشاركة في الحياة السياسية، واعية بشروط تحولها، فئة تؤمن بإمكانية التقدم من خلال إمكانات الحاضر وتطلعات المستقبل، رغم الاختلاف الواضح بين شروط الثورة الأولى والثورة الثانية، وكذا نسبة النجاح في كلتا التجربتين..
إن هذه الملاحظات، وأخرى يمكن لأي غيور أن يتبينها، تدعونا لأن نحمل معول النقد والخلخلة، لنتساءل عن حال شبابنا اليوم، مرفوع أم منصوب؟ وإذا كان مرفوعا بالفعل، فهل تملك الحكومة الإرادة القوية لتطوير إمكاناتهم؟ أم أن “النصب” والانبطاح هو العنوان البارز والعلامة الكاملة التي تميز حالهم؟
قد لا نعثر على إجابة كافية شافية، خصوصا أننا لا ننفي وجود بعض سمات الرفع و”النصب” في حال شبابنا، مع أنه يبدو لي أن حال النصب هي السائدة والأكثر انتشارا، وذلك لعدة أسباب سنذكرها طوال فقرات هذا المقال المتواضع..
إننا نعتقد أن القائمين على الشأن الشبابي في الحكومة المغربية ينظرون بعين حولاء إلى هذه الفئة، وتكفي إطلالة خفيفة على الإعلام الرسمي ليتبين، بالواضح، أن هناك هجمة مقصودة ضد الشباب، وغالبا ما يتم ذلك تحت ذريعة التنوير والتثقيف، والإدماج في فلك الحوار والتواصل والانفتاح.. خصوصا ما يتم تداوله عبر آلية الإشهار من ترويج لأفكار وإشاعة لمبادئ تحقيقا لأهداف فئات خاصة أو لوبيات تحتكر رؤوس الأموال في هذا المجال.. وذلك كله على حساب المشاعر الإنسانية والفكر والثقافة.. بمعنى آخر، فإن على الشباب أن يعوا كل الوعي، ما يتم ترويجه، وأن يميزوا بين الصالح والطالح في جميع الأحوال..
ما نود قوله، بكل صراحة، أن على الحكومة تحمل كافة مسؤولياتها أمام شباب هذا المجتمع.. عليها أن تعرف أن هؤلاء هم مستقبل هذه الأمة ورهانها، وبلغة موجزة، على كل المسئولين أن يبادروا لتطبيق كل بنود الدستور ذات الصلة بالشباب، كي لا يبقى الأمر حبرا على ورق.. فالفصل 33 من الدستور المغربي ينص على أن “السلطات العمومية ملزمة باتخاذ تدابير ملائمة لتحقيق جملة من الإجراءات في صالح الشباب أهمها تعميم مشاركتهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلاد، أضف إلى ذلك تيسير ولوجهم للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة.. مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات. كما ينص الفصل على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف..”
بين النظري والإجرائي بون شاسع، كيف لا ونحن نرى شبابنا يخبطون خبط عشواء في متاهات فارغة لا معنى لها، تائهين بين مطرقة الواقع وسندان المستقبل، في حلقة مفرغة يدورون.. قد يقول قائل إن على الشباب أن يسايروا العصر ويتكيفوا مع مستجداته، فأجدني أقول بأن هناك فرقا بين التقليد الأعمى والوعي بأهمية التقليد وضرورة خلق الجديد.. فمتى نفهم هذه المفارقة؟
ولكي نزيد الطين بلة، يكفي أن نطالع عن كثب حال جامعاتنا، خصوصا في شعبها وتشعباتها الأدبية والقانونية.. لا أحد ينكر أن الجامعة، ومنذ عهود سابقة، كانت المختبر الحقيقي لنمو الوعي الشبابي وتفتقه، فضلا عن كونها فضاء للمعركة الفكرية والثقافية.. لكنها اليوم تخلفت عن وعودها، ربما لأسباب متعددة، وأضحت مشتلا للعنف والقتل والتدمير من جهة.. ومرتعا للدعارة والسكر، والزبونية، من جهة أخرى.. فمتى نستفيق من سباتنا؟
وعملا بمبدأ المناصفة، يمكننا التساؤل عن حال الشباب غير المتمدرس، في القرى والجبال، والمداشر.. أ مرفوع أم منصوب، أم هو في منزلة بين المنزلتين؟
لا أملك عصا سحرية لأعطي حلولا جاهزة.. ولست مسئولا أو وزيرا لأعد بشيء قد يتحقق وقد لا.. لكني أرى أنه من الضروري إعلان حالة طوارئ في مجال التربية والشباب، مع التسلح بالإرادة في التغيير ليطل علينا مستقبل زاهر يقوده شباب مؤهل..
إن ما قلناه حول سمة “النصب” التي أثقلت كاهل شبابنا، لا نتمنى أن يفهم بكوننا متشائمين لا نرى سوى الجزء الفارغ من الكأس.. فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، كما يقول درويش..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.