صراع القيم الزاكورية بين جيل الآباء وجيل الأبناء

0 440

بادئ ذي بدء، أن القيم أعمدة أساسية في بناء كل مجتمع، وهي أداة اجتماعية للحفاظ على النظام الاجتماعي والاستقرار فيه، وهي الضابط والمعيار الأساسي للسلوك الفردي الاجتماعي، ومن الناحية السيكولوجية فالقيم يتعلمها الفرد من أبويه ثم من البيئة المحيطة به مثل الشارع…
لكن ما يميز القيم، أو القيمة أنها ظاهرة ديناميكية تختلف باختلاف ثقافة الأقاليم بالمجتمع الواحد، وباختلاف الوظيفة والمراكز الاجتماعية.
ويعتبر المجتمع الزاكوري واحدا من المجتمعات، التي طرأ عليه الكثير من المتغيرات على مستوى القيم الاجتماعية بين الأجيال، وظهر كثير من صراع القيم بين جيل الآباء والأبناء، ومن أهمها القيم المتعلقة بعمل الآبناء، فالآباء ترتفع قيمة عمل أبنائهم في الحقول ما يسمى بالمنطقة ب (الفداء أو الجنان)، وتربية المواشي، إلى جانب العمل في بعض المهن الأخرى، في حين ثقل عند الأبناء الذين يسعون إلى تعلم أبنائهم بعض الصناعات، خاصة الذين لا يدرسون منهم، وذلك بإرسالهم إلى بعض المدن (الدار البيضاء، مراكش، الرباط …) إلى جانب هذا نجد كذلك القيم المتعلقة بتعليم الفتاة، فالآباء ثقل لديهم الرغبة في تعلم الأنثى، ويرغبون في حصول البنت على التعليم الابتدائي أو الثانوي فقط، بينما الأبناء يطمحون بإلحاق بناتهم بالجامعات والدراسات العليا، فحتى عمل المرأة كان عند الآباء مرفوضا، حيث سيطرت القيم العائلية التي تمنع روح الاستقلالية، والسلطة القوية لرب الأسرة التي تحد من نمو القيم الفردية، خاصة لدى المرأة التي ينبغ أن تخضع للقرارات الأسرية وتتبع القيم العائلية في السلوك والزواج واللباس …لكن مع جيل الأبناء، تقلصت تلك السلطة للأب، وأصبحت المرأة مستقلة شيئا ما، ويأخذ الأب برأيها في أمور الزواج مثلا إلى غير ذلك من الأمور الأخــرى، ولم تبق المرأة حبيســة البيت، بل خرجت هي الأخــرى للعمل، إلى جانب الرجل، خاصة في بعــض الأســر التي لا يوجد لها معيل غير المــرأة، وما يكــرس هذا هو الاحتكــاك الثقافي، بالمجتمعــات الأخرى، وتأكيد الفرد الزاكوري لذاتــه والتعبيــر عن نفسه.
وإذا كانت القيم تساعد الفرد على التكيف داخل المجتمع فما يؤكد هذا هو التربية باعتبارها عملية قيمية، ففي القديم كان الآباء يعطون أهمية كبرى للتربية، وكان أهم شيء تتم التربية عليه هو الحياء والحشمة والوقار، كان خلق الحياء رفيعا، ويضمن العلاقات الدافئة، التي تجمع بين أفراد العائلة، وكان الكل يساهم في التربية الأب، الأم، الجد، الجدة، الجار، الجارة، لكن مع جيل الأبناء تقلصت هذه الخصلة الحميدة شيئا ما، وأصبحت التربية مقتصرة على الأبوين والجد والجدة إلا في بعض الاستثناءات، وانتقل الإبن من الأسرة الممتدة (الدار الكبيرة) إلى الأسرة النووية، التي تضم الأب والأم والأبناء.
من كل ما تقدم يتضح أن هذا الصراع القيمي بين الجيلين، تتعدد أبعاده وتتسع مشكلاته، وقد يؤدي هذا إلى زعزعة للنظام القيمي، وعندما يتخلخل البناء المعياري القيمي، ويهتز نسق القيم، يصبح المجتمع يعاني من قصور في تأكيد ذاته وهويته.
قبل أن أضع حروفي الأخيرة، لابد من الإشارة على أن ما هذه إلا حبة من كيس قمح، فهناك قيم كثيرة، وما يميزنا كمجتمع زاكوري، هي تلك الخصال الجميلة، فعندما يقال لك أن فلان من مدينة زاكورة، يتبادر إلى ذهنك أنه من مدينة الصدق، الأمانة، الكرم، وحسن الضيافة، وكل الأخلاق الحميدة المتأصلة في سكان هذه الرقعة الطيبة، فتحيتي لكي، ولأبنائك يا مدينة الثمور ويا زهرة الزهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.