درعة خلال الفترة القديمة

1 1٬424

لقد ترك الإنسان الدرعي بصمته في هذه المنطقة منذ أقدم العصور، وهذا ما تبرزه المقابر الجماعية[1] والنقوش الصخرية[2] المنتشرة في هذا المجال، والتي تبين تغير النمط السوسيواقتصادي لهذا الإنسان من تربية البقر كأقدم مرحلة (المرحلة البقرية[3] ) حوالي الألف الرابع قبل الميلاد إلى مرحلة الزراعة وبناء نمط عيش مميز لهذه المنطقة، كما أن هناك إشارات إلى المرحلة الجاموسية التي يقدر لها ما بين 8000 و 7000 سنة قبل الميلاد، ولا تزال بعض هذه الصخور في حالة جيدة[4]. ومع تغير الظروف المناخية تغير معها نمط العيش، وكل هذه العناصر تظهر قدم الاستقرار البشري في هذه الربوع.

وردت درعة في كتابات المؤرخين والجغرافيين الإغريق كما سلف الذكر، وتدخل لديهم ضمن ما يسمى بليبيا الداخلية، وهو المجال الممتد جنوب الأطلس الكبير[5]. حيث يشير بطلميوس[6] إلى الدرعين كأكبر شعوب ليبيا الداخلية. كما تبرز هذه المصادر التعامل التجاري الحاصل بين أهل درعة أو الإثيوبيين [7] وغيرهم من الشعوب الأخرى[8]. ومع سيطرة الرومان على الأطراف الشمالية لشمال أفريقيا،وقد جاوزت حملاتهم العسكرية جبال الأطلس الكبير، ووصلت إلى وادي كير، حيث أن الأطلال الأثرية لا تزال شاهدة على هذا الوجود، وفي هذا يقول صاحب طليعة الديعة :«وآثار الروم بهذا الوادي كثيرة جدا، ومن أعظمها وأشهرها وأبقاها على ممر الأعصار مدينتهم التي بين جبلي زاكورة، فإن أسوارها وأبراجها باقية إلى هذا التاريخ وهو سنة 1143هـ»  ويضيف «وكذلك مقابر اليهود أيضا كثيرة ومن أشهرها وأعظمها محلا وحرمة عند اليهود حتى أنهم يقسمون باسمها، ويهوي إليها من أقاصي البلاد من المشرق وغيره، المقابر التي بظاهر بن خلوف من تامجروت والمسماة عندهم بالمقارة”[9] ولا تزال أطلال هذه المدينة قائمة إلى الآن فوق الربى القريبة من شرق مدينة زاكورة الحالية»[10].

 

[1] –  نذكر هنا مثلا منطقة فم لرجام  التي تعتبر اكبر تجمع للمقابر الجماعية بزاكورة  وهي طريقة للدفن في مراحل قبل الإسلام، انظر بلقايد مولاي علي ، واحة لكتاوة، منشورات المجلس البلدي لزاكورة، 2010، ص 48.

[2] –  نشير هنا إلى موقع فم الشنا  الذي تقع بعد 50 كلم شمال زاكورة، وهو  منطقة تابعة ترابيا إلى جماعة تينزولين، قيادة تينزولين، اقيلم زاكورة، ويضم نقوش صخرية  تبرز عدة  أشكال بشرية وهندسية وحيوانية، وخطية  تعود إلى أقدم العصور توثق لمراحل استقرار الإنسان بهذا المجال، وهي في حاجة إلي الحماية والتعريف بها.

[3] – فترة البقريات : هي الفترة التي عرفت انتشار رسوم الكبش وتتميز  بكثرة رسوم البقريات، وقد ارجع بعض الباحثين هذه الفترة  إلى ظهور البقرة المد جنة منذ حوالي 4000سنة قبل الميلاد.

[4] – بلقايد مولاي علي، واحة لكتاوة، مرجع سابق، ص 46.

[5] –  نشير هنا إلى كل من بوليب (Polybe) الذي أورد نهر درعة (Darat) ثم بطلمي (Ptoléméé) وهو الآخر يشير إلي نهر درعة  ضمن سبعة أودية في ليبيا الداخلية  ثم إلى ميناءين طبيعيين وراء نهر درعة، أنظر عبد  العزيز اكرير، دور درعة التجاري قديما،  مرجع سابق، ص 27

[6] – نفسه، ص29.

[7] – نفسه، ص30.

[8] – نفسه، ص 30.

[9]  محمد المكي  بن موسى الناصري، طليعة الدعة في تاريخ وادي درعة، مخطوط بالمكتبة الوطنية مسجل تحت رقم  د3786، ص 6.

[10] – محمد المنوني،  حضارة وادي درعة من خلال النصوص والآثار، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة المحمدية،1973، ص 2.

تعليق 1
  1. […] منذ أقدم العصور، وهذا ما تبرزه المقابر الجماعية[1]والنقوش الصخرية[2] المنتشرة في هذا المجال، والتي تبين […]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.