موسم سكورة بورزازات السنوي اللامة و عيساوة و سوق عام و أشياء أخرى

0 1٬063

تمتاز منطقة سكورة من دون غيرها بتعدد و تنوع ثقافيين قل نظيرهما بمجمل مناطق إقليم ورزازات الشاسع , فرغم انفرادها بالطابع العربي من جهة اللغة ,إلا أنها تختزن تراثا شعبيا أصيلا متشعبا و غنيا , متفرع عن أصول اثنوغرافية متعددة تتوزع بين العربي و الامازيغي و الإفريقي و اليهودي و الحساني ,تكاد تمظهراتها اليوم تنحصر في   الجانب الشفوي المنقول “كالحكايات والروايات والشعر الغنائي والخرافات …” ,ما عاد إلا قلة من الرواة يتداولونها و ينقلونها للخلف ،بالإضافة إلى أن أغلبها لا يردد إلا في المناسبات العامة و خصوصا مناسبة الموسم السنوي لسكورة المسمى “مولاي الطيب “والذي تحتضنه المنطقة في التاسع عشر من ربيع الأول من كل عام احتفاءا بولادة الرسول الكريم محمد (ص) .

 moussem skoura -zagora

  • الموسم ,الاحتفالية الدينية أولا :

 

موسم سكورة السنوي أو “سوق عام” كما يحلو للبعض تسميته هو احتفالية دينية كبرى تقام بتراب قبيلة “الحدادة” التي تشكل أحد قبائل الخامسة بوسط واحة سكورة من الجهة الشرقية,و يبتدأ الاحتفال به في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الاول أي يوم ولادة النبي محمد (ص) و يمتد لمدة أسبوع ليختتم في يوم التاسع عشر منه من كل عام، أي انه يتزامن مع أسبوع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم. ويبقى تاريخ الظهور الفعلي لهذا الموسم غامضا فالرواية الشفوية تقول بأن الاحتفال بالموسم بدأ منذ عدة عقود لكنها لا تحدد تاريخا محددا لبدايته .

تشرف على تنظيم هذا الموسم عائلة تسمى “ايت بلحسن” و هي عائلة محلية معروفة النسب و أغلب أفرادها فقهاء و أئمة ’و تقام الاحتفالية النهائية بأرض عراء وسط الحقول الزراعية تركها المدعو ” الشريف الطيب ” لما يسمى “بدار الضمانة”’و تكترى هذه الأرض لمجموع التجار و الفلاحين و الجزارين الراغبين في عرض منتوجاتهم يوم الموسم بمقابل مادي , و بواسطة هذا المقابل المدفوع سلفا يتم شراء ” ذبيحة ” رسمية تنحر يوم الموسم ’ كما تقوم هاته العائلة بتحضير طبق “الكسكس ” لكي يأكله زوار الموسم الغرباء . ومن التزامات هذه العائلة أيضا أن تفرش الساحة بالحسائر و تزينها بالأعلام الخضراء صبيحة ذاك اليوم ، وحوالي الساعة العاشرة يتم إخراج الخروف من اجل ذبحه في ساحة الاحتفال, و هي كلها أمور تحمل دلالات دينية و صوفية بامتياز .

طقس الذبيحة ” أي نحر الخروف ” داخل هذا الموسم ,و بالإضافة لكونه تماهي أصيل مع عرف ذبح الخروف يوم أسبوع ولادة كل أبناء المسلمين قصد التسمية ,فهو إحالة حسب بعض الباحثين إلى عرف حث المسلمين من أبناء المنطقة على حفظ القرأن و التفقه في أمور الدين، و يضيف آخرون بأن الولي “مولاي الطيب”  المسمى الموسم باسمه كان قد أوصى عائلته بالحفاظ على هذه العادة رغبة منه في خلق جهاد روحي لديهم يقوي تربيتهم الدينية .

              إن طقوس الاحتفال بهذه الموسم شبيهة بطقوس الاحتفال بالعديد من المواسم الدينية بمناطق المغرب، و تشبه الى حد كبير طقوس الاحتفال لدى ” الزاوية البودشيشية ” بشرق المملكة ,و خصوصا عندما يتم جر الخروف وسط حشد كبير من الناس يمنة و يسرة إلى مكان الذبح مرفقا بعلم أخضر مكتوب عليه شعار “لا اله إلا الله محمد رسول الله.

 moussem skoura -zagora 2

  • حدث الموسم ,فرصة للترويج التجاري و السياحي أيضا :

ناهيك عن الطقوس الدينية الأصيلة و اللصيقة بالموسم ,فالحدث يشكل مناسبة يستغلها التجار و المزارعون و الجزارين لعرض سلعهم و منتوجاتهم المحلية فيما يشبه المعرض المتنقل لمدة أسبوع , بحيث تشكل “اللامات” و هي الاحتفاليات اليومية فرصة تسوق نادرة ،يتم استغلالها و استغلال الحشود البشرية الملازمة لها لبيع الخضروات و الملابس و العاب الأطفال و الشواء و الأدوات المحلية و النسيج و الزرابي و غيرها ، كما أنه فرصة للترفيه و الاطلاع على جوانب عديدة من تراث المنطقة المادي و الشفوي ,و ذلك من خلال فن الحلقة الذي ينشط كل احتفاليات الموسم من بدايته ’هذه الحلقة و المشكلة أساسا من فرق “عيساوة ” المحلية ذات الصيت الكبير ,بفعل محافظتها على كل الطقوس العيساوية القديمة من مراقصة الأفاعي و الثعابين و ممارسة الألعاب الخطرة كثقب الجلد و شرب الماء الساخن و غيره .. و فرق دينية أخرى ك”الفقراء” التي تؤدي تراتيل دينية متنوعة يوم الموسم , و هي خاصيات محلية متجذرة تنضاف إليها العديد من التقاليد و العادات الاجتماعية الراسخة بالوعي الجمعي للساكنة .

من جهة أخرى أضحى موسم سكورة السنوى محجا سنويا للعديد من أبناء المنطقة المهاجرين سواء بالداخل أو بالخارج و للعديد من الزوار و السياح الأجانب قاربت في سنة 2013 ما ناهز 20 ألفا حسب تقديرات رسمية,و هذا شيء مفهوم بحكم السمعة المتراكمة على مدى سنوات و التي ما فتىء يحضى بها ,غير أن كل هذا لم يشفع للمنطقة لترقى بموسمها هذا لمستوى الحدث الاستثنائي الذي يوازي أو يفوق مستوى المهرجانات الفنية محليا ,و الأكيد أن مناسبة كهاته و بهذا الزخم يمكن استثمارها لتصبح فرصة للتسويق و الاستقطاب السياحيين للمنطقة ’خصوصا إذا استحضرنا قيمة الرأسمال اللامادي – الجانب التراثي و الفني- الذي تقدمه و ما يمكن للزائر اكتشافه بموازاة ذلك من كنوز معمارية و مناظر طبيعية خلابة.

قد يختلف الكثيرون حول شرعية و فائدة موسم “مولاي الطيب ” بسكورة ’لكن المؤكد أن هذا الموسم يساهم بشكل كبير في تحسين الدخل المادي للعديد من الأفراد و الأسر من خلال ترويج السلع والمنتجات، كما أنه يساهم في التعريف بهذه المنطقة التي تحتاج لتسويق إعلامي قوي كفيل بجعلها تحضى بنصيبها الحقيقي من التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ’كما أنه جلي جدا استحالة اجتتات هذا الموسم من ذاكرة المنطقة و فكرها الجمعي ’لذالك فالمطلوب اليوم هو تحويل الموسم من موسم للبدع إلى موسم ثقافي للإبداع ’و ذلك بإحلال الأنشطة الثقافية و الفنية محل البدع و الخرافات ’و المزاوجة بين ذلك و بين تقديم أنواع أخرى من الأنواع التراثية للمنطقة كالملحون و كناوة و احواش و الهرمة و الريلة و غيره كثير ’انه رهان كبير لكنه ممكن .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.