دور المجتمع المدني في تفعيل المشاركة السياسية

0 997

المشاركة السياسية هي مكون أساسي وضروري لنجاح أي نظام سياسي، أو كما قال رئيس أمريكا أبرهام لنكون (1809 – 1865) أنها التجسيد العملي لحكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب، والحقيقة أن أي مشاركة جادة في السياسة تتطلب جهد ووقت ومعرفة بالعملية السياسية ومؤسسات الدولة، وتتطلب أيضا إدراك الأفراد ووعيهم بمقدرتهم على التغيير والوصول إلى أهدافهم المنشودة، والمشاركة هنا هي الانخراط العفوي أو المنظم في العملية السياسية والعمل بما يعتقد الإنسان انه الصواب، وهى تشمل كل النشاطات التي من خلالها يستطيع الأفراد التعبير عن آرائهم وأفكارهم ويمكنهم ترجمة هذه الآراء والأفكار إلى أعمال ومشاريع ملموسة، وبمعنى آخر هي محاولة ترجمة القيم والأفكار والآراء التي يؤمن بها  الإنسان إلى واقع عملي ملموس، وتبعا لتعريف صموئيل هنتنغتون وجون نيلسون، فإن المشاركة السياسية تعني تحديدا ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فرديا أم جماعيا، منظما أم عفويا، متواصلا أم منقطعا، سلميا أم عنيفا، شرعيا أم غير شرعي، فعالا أم غير فعال ، وبدوره يؤكد بعض الباحثين أن المشاركة السياسية شكل من أشكال الممارسة السياسية، تتعلق ببنية نظام سياسي وآليات عملياته المختلفة، حيث يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المداخلات، سواء أكانت لتقديم المساندة للسلطة القائمة أم المعارضة، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي، بالصورة التي تلائم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها ، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن المشاركة السياسية لا تقف في كثير من الأحيان عند حد مداخلات النظام السياسي، وإنما تتعدى ذلك إلى مرحلة تحويل المطالب، وخاصة إذا وجد أفراد أو جماعات قريبة من تكوين المؤسسات ومن نطاق عملها، وتختلف أشكال المشاركة السياسية من جانب المواطنين في الدولة، تبعا لاختلاف الأنظمة السياسية، حيث تتوقف مستوياتها على طبيعة النسق السياسي وتتخذ أشكالها وفقا لنمطه، لأن كل نسق يتضمن العديد من الأدوار، التي يؤديها الأفراد داخله، كالمواطن الذي يتوقف دوره على الإدلاء بصوته في الانتخابات العامة، والسياسي المحترف وأعضاء الحزب النشيطين، حيث تنتظم العلاقة بينهم على أساس الترتيب الهرمي في شغل الأدوار، فهي علاقة تنظيمية تتحدد وفقا لشكل المشاركة ومداها، أي الدور الذي يقوم به المشارك.

لقد أصبح دور مؤسسات المجتمع المدني يمثل أساسا مهما في المشاركة السياسية للمجتمع في تحديد أهدافه وتنصيب البرامج التنموية،ومن هنا يتجلي دور مؤسسات المجتمع المدني باعتباره قناة لكل فرد أو مجموعة أو شريحة تربطهم مصلحة عامة أو هدف، يمكن من خلال هذه المنظمات أن يشاركوا باتخاذ القرارات العامة وتنفيذها وتقييمها على اعتبار أنهم جزء لا يمكن تجاهله في المجتمع، ويأتي دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق المشاركة السياسية من خلال التوعية بعمليات المشاركة والطرق الواجب إتباعها لإيصال أفكار ومطالب الأفراد والتعريف بالالتزامات والواجبات التي تفرضها عملية المشاركة، وتلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا في ترويج ثقافة المشاركة في الانتخابات، حيث يشعر الأفراد من خلال المجتمع المدني ومؤسساته بأن لديهم قنوات مفتوحة لعرض آرائهم ووجهات نظرهم بحرية حتى لو كانت تعارض الحكومة وسياستها للتعبير عن مصالحهم ومطالبهم بأسلوب منظم وبطريقة سلمية ودون حاجة إلى استعمال العنف طالما أن البديل السلمي متوافر ومتاح، والحقيقة أن هذه الوظيفة تؤدي إلى تقوية شعور الأفراد بالانتماء والمواطنة وبأنهم قادرون على المبادرة بالعمل الإيجابي التطوعي دون قيود، بل تشجعهم الحكومة على التحرك المستقل بحرية، لكل مجتمع خصوصية تعكسها ثقافته السائدة بين أبنائه، تلك الثقافة التي تطورها مجموعة القيم والمفاهيم والمعارف التي اكتسبها عبر ميراثه التاريخي والحضاري وواقعه الجغرافي والتركيب الاجتماعي وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي، فضلا عن المؤثرات الخارجية التي شكلت خبراته وانتماءاته المختلفة.
والثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع وهى تختلف من بلد لآخر حتى لو ينتهجان نفس الأساليب الحياتية، وينتميان إلى نفس الحضارة، ويتقاسمان الاهتمامات واللواءات، ويقصد بالثقافة السياسية على أنها مجموعة من المعارف والآراء والاتجاهات السائدة نحو شؤون السياسة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة، وتعنى أيضا منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم، ومعنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافه الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي،
ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءا من ثقافته العامة، فهي تتكون بدورها من عدة ثقافات فرعية، وتشمل تلك الثقافات الفرعية ثقافة الشباب، والنخبة الحاكمة، والعمال، والفلاحين، والمرأة، وبذلك تكون الثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطى نظاما ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك فهي تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف السياسي في نطاقه، أي أن الثقافة السياسية تدور حول ما يسود المجتمع من قيم ومعتقدات تؤثر في السلوك السياسي لأعضائه حكاما ومحكومين، وعلى ذلك يمكن تحديد عناصر مفهوم الثقافة السياسية على النحو التالي :
تمثل الثقافة السياسية مجموعة القيم والاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع، الثقافة السياسية ثقافة فرعية فهي جزء من الثقافة العامة للمجتمع تؤثر فيه وتتأثر به، ولكنها لا تستطيع أن تشذ عن ذلك الإطار العام وتؤثر الثقافة السياسية كذلك على علاقة الفرد بالعملية السياسية، فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالولاء الوطني والمواطنة المسؤولية، وهنا يتوقع أن يشارك الفرد في الحياة العامة، وأن يسهم بشكل تطوعي في النهوض بالمجتمع الذي ينتمي إليه، وفى دول أخرى يتسم الأفراد باللامبالاة والاغتراب وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه أي شخص خارج محيط الأسرة وفى بعض الأحيان ينظر المواطن إلى النظام السياسي على أنه أبوي يتعهده من المهد إلى اللحد ويتولى كل شيء نيابة عنه ويعمل على ضمان رفاهية الجماعة، لذلك يمكن القول أن الاستقرار السياسي يعتمد على الثقافة السياسية فالتجانس الثقافي والتوافق بين ثقافة النخبة والجماهير يساعدان على الاستقرار ، أما التجزئة الثقافية والاختلاف بين ثقافة النخبة وثقافة الجماهير، فإنه يشكل مصدر تهديد لاستقرار النظام السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.