الشجرة المباركة و الإنسان الدرعي

5 1٬775

ذكرت في القران الكريم أكثر من عشرين مرة،ومن مميزاتها الأنفة و الكبرياء ،لذلك تظل سامقة حية كانت أو ميتة ،و هي من بين الأشجار التي تتحدى التغيرات المناخية ،لأنها تستطيع أن تبقى لسنوات عديدة بدون سقي ،و السبب كما يقول العارفون بأدبيات الفلاحة الصحراوية هو جذورها التي تتجدر في الأرض بشكل عمودي بحثا عن الفرشة المائية ،فحينما تحفر بئرا في منطقة صحراوية تواجهك خراطيم جذور النخل إلى درجة يصعب معها مواصلة الحفر .إنها حكمة إلهية لتشجيع أصحاب المناطق الصحراوية على الاستقرار خاصة و إن النخلة هي مصدر العيش التي يراهنون عليها بشكل أساسي للتكيف مع حياتهم الغارقة في البساطة و الجفاف و شظف العيش.

في الجنوب الشرقي و بالضبط بزاكورة تلاحقك غابات النخيل على ضفة وادي درعة العظيم الذي يعد الرئة النقية التي يتنفس بها الناس هناك ،هذا النخيل أضفى على الواحة جمالية رائعة تذكرنا بقصيدة بدرشاكر السياب (عيناك غابة نخيل ساعة السحر ).

لم تكن علاقة الإنسان الدرعي بالنخلة علاقة براغماتية فحسب بل شكلت عبر التاريخ جزءا من هويته ،بل هي هويته و كينونته التي يتباهى بها أمام الجميع فهولا يلجا إلى بيع النخلات إلا في حالات ناذرة كحالات الجفاف التي تعرفها المنطقة ،أو عاديات الزمان من مرض أو فقر أو ….و حتى إن باعها فسيتوارى عن أهل الدوار لأنه سينعت بنعوت لها دلالات محلية: كالمكسور و اسم مفعول هذا يعني الانقطاع النهائي عن القبيلة باعتبارها الحاضن الاجتماعي و الثقافي و السياسي لإفرادها الذين يؤطرهم مايسميه دوركهايم بالضمير الجمعي” كعقد اجتماعي ينضبط له الجميع، بالتالي فان بيع النخل يعد خروجا عن هذا العقد ،مما يبين المكانة التي تحتلها هذه الشجرة عند الإنسان الدرعي الذي يضحي بكل شيء من اجلها فهي احد أبناءه البررة.

بلاد درعة او ادرى يسمونها قديما ببلاد الزيتون ،لكن بفعل التغيرات المناخية أضحت معروفة ببلاد النخيل ،ومن الصعوبة بمكان جرد أنواع التمور بالمنطقة نظرا للمساحة الشاسعة لمنطقة ادرى لكن يمكن الإشارة فقط لأنواع مخصصة للبيع كالفكوس و الجيهل و بورار و بوسكري الذي يقول آباءنا انه يسبب مرض الحمة حتى لانغامر نحن الصغار باستهلاكه ،وأنواع أخرى تبقى للاستهلاك اليومي و يأتي على رأسها ملك التمور بوستحمي او تاحموت بالامازيغية و هو أكثر استهلاكا لقدرته على البقاء سنوات عديدة دون أن يؤثر على جودته، فالبكوري وهو قديم بوستحمي يتم استهلاكه من طرف الناس خاصة أيام القحط . إضافة إلى الخلط و كلان و…

أما نضج التمر فيمر من ثلاث مراحل أساسية :

مرحلة التلقيح :أي تلقيح عرش النخلة الأنثى بد كار النخلة الذكر و يبدأ ذلك أواخر شهر فبراير و بداية مارس ،و في هذه المرحلة تبدأ عملية غرس شجر النخيل والأشجار المثمرة مما يجعل آهل درعة يتداولون فيما بينهم المثل الشعبي( فاتك الغرس قبل مارس) و هو نفس المثل العربي (في الصيف ضيعت اللبن).

مرحلة البورشيم :أي المرحلة التي يكبر فيها عرش النخلة و ينتج عنه بلح يدعى محليا بالبورشيم.

مرحلة التضواك :أي مرحلة النضج النهائي لعرش النخلة أي بداية قطف الثمار الجديدة ،حيث يتم قطف الثمار من اجل الاستهلاك أو البيع.

و الحال إن استهلاك التمر عند الإنسان الدرعي له طقوس معينة فهو الوجبة الثانية بعد وجبة الفطور وغالبا ما يتم استهلاكه مع الماء أو اللبن ،كما يضاف إلى ما يسمى محليا” بسبع خضاري” و هي و جبة يتم طهيها في الليالي الباردة بالكسكس المضمخ بالفول و العدس و الجزر و اللفت و الحمص و ثمرة بو سكري التي يتنافس أفراد الأسرة في البحث عن نواتها “العلفة” و كل من وجدها تمنح له مفاتيح “بيت الخزين “للإشراف عليه مدة سنة واحدة .

أما في شهر رمضان الكريم ،فان الإقبال على تناول الثمور الدرعية يكون مضاعفا فلا تخل مائدة مغربية من هذه الفاكهة، و إذا كانت السنوات الماضية يصادف شهر رمضان بداية نضج الثمر الجديد ،فيبدو هذه السنة أن نضجه قد تأخر و بالتالي فان الصائمين سيقتصرو ن على تناول الثمر القديم الذي يحتفظ بجودته و هو أحسن جودة من بعض الثمور التي تأتي إلينا من دول عربية .

و الحال إن واحة درعة من بين واحات المغرب التي تسحر الزوار بجمالها ، فهي تلعب أدوارا سياحية و بيئية و سوسيو اقتصادية ، و هي عنصر استقرار بالنسبة لآلاف السكان الذين و هبوا حياتهم كلها لخدمتها فالمحافظة عليها يتطلب تدخلا من طرف الدولة بتقديم مساعدات للفلاحين الفقراء و توقيف عملية تهريب النخيل إلى مدن أخرى ، أيضا توقيف سرطان أشجار الاسمنت التي تدمر المجال البيئي بالمنطقة و التي يستفيد منها منعشين عقاريين و سياحيين .

عبد الكريم الجعفري – زاكورة.

5 تعليقات
  1. abdellatif يقول

    merci beaucoup Zagorapress pour ce type de sujet;qui est vraiment établi un pont de connexion entre l’homme et sa terre.

  2. IBN SAHRA يقول

    شكرا لصاحب المقال والشكر موصول لزاكورة برس،مع التنبيه إلى نوع من الخلط في بعض المعلومات خاصة تلك المرتبطة بالمراحل
    ورمضان كريم وكل لحظة وأهل زاكورة طيبين

  3. فلاح دراوي يقول

    إذ نشكر السيد الجعقري ، لا باس من ذكر آفة النخيل وهو مرض البيوض ، ظهر هذا المرض الفتاك بالنخيل سنة 1882 بمنطقة افلا ندرا . ومنها بدأ انتشاره ليصل واحة امحاميد الغزلان في الربعينيات ( 1945 1950 ) . قصى هذا المرض الفتاك بنسبة ككبيرة من النخيل وخصوصا الانواع الجيدة كالفكوس والبسكري والجيهل واحرضان والجعفري وكل نوع جيد وحلوة . ولم ينجو من هذه الآفة إلا إكلان والبوستحمي وعدد من انواع دات البلح الاحمر …
    البيوض هو نوع من الفطريات ( Champignon ) الذي يصيب عروق النخل تحت الأرض ويؤدي إلى استفحال العدوة والقضاء عليه بالجملة دون ان تتمكن الابحاث الفلاحية والخبراء من إجاد حل أو دواء لهذه المعضلة ، لأنه لا يمكن علاج التربة وفي اعماق متفاوتة . إلا ان تكثير الفسائل المقاومة للبيوض عن طريق الانابيب البيولوجيا سيخفف من هذا المرض رغم انها لم تستطع ارجاع نوع الفكوس والبوسكري …

  4. تفرودسي يقول

    بدوري أقدر كل من يكتب عن وادي درعه و عن النخل الدي هو رمزحضارةسكان زاكورة..فالزاكورى الحقيقي يشبه النخلة التي تعايش معها أزمنة طويلة..كله فائدة…بدأ من التمر و الظل و الحطب و وسيلة لصنع أخشاب التسقيف….

  5. zagori يقول

    bravooooooooooooooo

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.