تربية الأبناء في بلاد الغرب ضرورة شرعية

0 958

يكتسي الاهتمام بتربية أبنائنا في أوطاننا حاجة مقصودة من الزواج’ فماذا يمكننا القول بالنسبة للذين يعيشون في الدول الغربية ؟ ففي هذه الحالة يكون الأمر في منتهى الأهمية ومن أعظم المقاصد ’ لأن الحياة في الغرب لها مظاهرها المخالفة لفطرتنا التي فطرنا عليها ’ قد تشاهد مناظر مستفزة لفطرتك وهذا له إنعكاس سلبي على شخصية الأبناء ’ وهذه المظاهر تساعد أبناء المسلمين لينجرفوا وراء تلك الحياة المادية الشهوانية إذا لم تكون لهم حصانة تمنعهم من الوقوع في أحضان الرذيلة ’ فحري بكل أب أن يهتم بأولاده ’ وأن يضع لهم البرامج التي تغنيهم عن مظاهر الحياة المادية الجذابة هناك . فما قيمة الأموال التي قد تجنيها من خلال العمل المستمر والكفاح المتواصل وفي الاخير تفقد أحد أولادك يعيش الضياع والتيه والبعد عن الدين شكلا ومضموننا ؟ وأستحضرفي هذا الصدد واقعة لأحد المهاجرين المسلمين بالديار الأمريكية ’ كان يشتغل سبعة أيام ’ يترك أولاده نائمين في الصباح وعند عودته ليلا يجدهم في نفس الحالة ’ ذات يوم سألته ابنته الصغيرة بكم تشتغل في اليوم يا أبي فأجابها بمئة دولار فأجتهدت ابنته في جمع هذا المبلغ ’ ذات يوم إستيقظت باكرا وقالت له أبي لو سمحت اليوم سأدفع لك أجر عملك دون أن تذهب بعيدا عنا فنحن في حاجة لك يا أبي …انتهت رواية هذه القصة فهي ليست من وحي الخيال ولكنها تمثل الواقع المر الذي يعانيه المغتربين في بلاد المهجر فأمام هذا الواقع لا يمنع بعض الأسر المهاجرة من تحدي الصعاب ومحاولة الإهتمام بأولادهم لكن رغم هذه المحاولات يبقى تأثير البيئة الغربية عامل مهيمن على تكوين أبناء الجالية العربية والاسلامية ’ ومن كثرة انشغال الاباء والامهات عن أبنائهم نجد بعض الاطفال لا يعرفون أبسط الامور عن الوطن الذي ينتمي اليه وأذكر في السنة في الماضية كنت أسأل طفلا من أصل فلسطيني عن مكان القدس فقال لا أعرف ’  وأنا متيقن أن جوابه ليس من باب الامتناع عن الجواب ولكن هي الحقيقة المرة التي ابتليت بها الامة في جهل أبنائنا لتاريخنا وهويتنا واتباع الحضارة المادية ’ فالتربية في كل المجتمعات لها مشاكلها لكون التعامل يكون مع الإنسان ذلك الكائن المعقد’ إنك حين تتعامل مع كائن مادي يمكن أن تدخله المختبر’ ويمكن أن تجري عليه التجارب وتعطي الفرضيات ’ ويمكن أن تتحكم في متغيراته، لإنك تتعامل مع متغيرات واضحة ومحددة ’ وأما الإنسان فهو كائن آخر يختلف عن سائر الكائنات’ إنه كائن تؤثر فيه متغيرات عدة يصعب أن تستنبطها أو تحصرها ’ إننا أمام كائن معقد تتداخل فيه العوامل والمؤثرات ’ أمام كائن تحكمه نفسية صعبة معقدة.

فرغم مايملك المغترب من خبرة وتجربة ’ فإنه لا يمكن أن يصل إلى حد اليقين في تربية أبنائه والإحاطة بهم من جهة التربية الإسلامية ’ وحَسْبُ كل مغترب أن يبدل الجهد ما إستطع و أن يجتهد’ ليس بمجرد النصيحة أو الأمر والنهي’ بل إننا بحاجة إلى الإجتهاد في الوسائل التربوية المؤثرة الناجحة’ ويتطلب منا أن نرتقي بخبراتنا ومعارفنا ومهاراتنا التربوية ، ويتطلب منا أن نبحث عن حلول لمشكلاتنا ’ فلئن كانت التربية أخي المغترب مسألة صعبة ومعقدة’ فهي في ظل الظروف التي تعيش فيها أكثر صعوبة، وأكثر تعقيداً وأكثر معاناة’ فيجب أن نضع في ذهننا بادئ ذي بدء أننا نعيش في وضع غير طبيعي’ فإنك تربي أولادك على قيم تخالف قيم المجتمع الذي فتحت فيه عينك ونهلت منه القيم الإسلامية الصحيحة المتميزة بالوسطية والإعتدال ، وتسمعهم غير ما يسمعهم المجتمع’ وتأمروهم بخلاف ما يأمرهم به المجتمع، إنك تسير في إتجاه والمجتمع في إتجاه آخر’ فتجد نفسك تسبح ضد التيار .فيجب أن نعي أخي المغترب أنه يصعب أن نقضي على المشكلة نهائياً’ ولا أعتقد أن هناك حلولاً يمكن أن تنقلنا إلى بر الأمان ’ وأن تجعل قضية التربية قضية محسومة مضمونة النتائج ’ لئن كان هذا الأمر صعباً على أولئك الذين يعيشون في البلاد الأم’ فالذين يعيشون في الغربة الأمر لديهم أصعب.

 فلا بد أن نستوعب طبيعة المعاناة التي نعيشها نحن معشر المغتربين وهذا يدعونا إلى بدل الجهد ومضاعفته وفي الأخير يأتي التوفيق من الله عزوجل ’ فالمظاهر المادية التي يسحر بها العالم الغربي لا ينبغي أن تكون نقطة إستلاب و تجرد من هوية أبناء المسلمين ’ لا بد من ربط الأبناء بتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم ’ وفي هذا الباب هناك العديد من المغتربين لديهم معاناة مع أبنائهم تتمثل في عدم الإلتزام بالإسلام حيت الإمتناع عن أداء الصلاة و صوم رمضان … وهذا يجعل أبناء المسلمين يعيشون في علاقة طبيعية مع ثقافة المجتمع الذي يقيم فيه .

فاللهم اهدنا وهدي بنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.