الإجهاض إفلاس أخلاقي أم حل حقيقي ؟

1 440

   تعالت أصوات شاذة اليوم مدججة بوسائل إعلامية متعددة، تطالب بشرعنة الإجهاض، وسن قوانين خاصة به، باعتباره، في نظرهم، حلا لمشاكل مستعصية عرفها ويعرفها المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة، أصوات نصبت نفسها متحدثا باسم النساء والفتيات المغربيات.. وهن منها براء.. عجيب أمرهم، بل ومريب حقا.. أهذا كله بفعل الحب، أم هو رد فعل لمواطَنَة حقة تسري في الأعماق ؟ سؤال لا ندعي أننا نملك جوابا عنه، لكننا سنحاول البحث في حيثياته، والنبش في محيطه علنا نظفر بشيء.. وإن كنا ندرك، منذ الوهلة الأولى، أننا في هذا أشبه بنافخ في رماد، أو ناثر لدر أمام الخنازير.. لنبدأ أولا بالظرفية التي أثير فيها الموضوع، لنعلم أنها غير عادية أبدا، فالمغرب مقبل بعد أشهر على الاستحقاقات الجماعية.. وتجار السياسة يعلقون آمالا كبيرة على هذه الاستحقاقات، باعتبارها المنقذ لأحزاب ترهلت وشاخت وفقدت المصداقية.. عزاؤها الوحيد مغرب عميق يرزح شبابه في مشاكل جمة تجعله فريسة سهلة وضعيفة.. لذا كان لابد من إثارة هذا الموضوع في هذه الظرفية تحديدا، فحيرة الشباب واندفاعهم المعهود قد يدفعهم إلى التعاطف مع أولئك، لكن هل يمكن خداع شعب بأكمله ؟ لا أظن ذلك.. ثانيا مجتمعنا لاشك، يعرف نوعا من التغيير، بفعل العولمة ووسائل الاتصال الحديثة، ما جعله مهيئا، بقدر ما، للتجريب والرغبة في البدائل، وإن كانت على حساب الهوية والعادات والتقاليد والأعراف، فاليأس شعور قاس صعب، نعم اليأس من نخبة سياسية انتهازية تركب على مشاكل الشباب لتحقيق مصالح شخصية.. فما كان من أولئك إلا استغلال الفرصة والدعوة إلى الإجهاض، زعما منهم، ألا كذبوا، أنهم يقدمون خدمة وبديلا حقيقيا للنساء الضحايا..

والسؤال المحير أصلا: متى كان القتل يوما حلا لمشاكل اجتماعية ؟ إن من يدعو إلى شرعنة الإجهاض واعتماده، يدعو بطريقة غير مباشرة إلى القتل، وانتهاك حقوق الإنسان، تحت ذريعة حقوق الإنسان.. ويا للغرابة.. أقتل نفسا بريئة حفاظا على نفس لم تعرف كيف تحافظ على نفسها وتصونها.. والمعلوم بالضرورة أن حياة الجنين محفوظة دينا وأخلاقا، فجميع الشرائع السماوية تحرم الإجهاض، لأنه يتنافي مع القيم الإنسانية النبيلة، التي تدعو إليها الديانات وتسعى إلى نشرها بين الناس، وعملية إنزال الجنين فيها مصادرة للحق في الحياة، وهذا منهي عنه شرعا {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وإذا ما علمنا أن الأم لا تملك الروح الإنسانية، لا روحها هي، ولا روح جنينها الذي تحمله بين جنبيها، فستتأكد لنا خطورة هذه الجريمة على المجهضة أولا، والمجهِض ثانيا، والمجتمع ثالثا، بل والإنسانية عامة، وحتى المرأة التي تلجأ إلى الإجهاض ، ولا نحتاج هنا إلى تبرير الظروف، لأن القتل قتل شئنا أم أبينا، وفي جميع الحالات، ترفض هذا الفعل الشنيع أخلاقا، لما له من أثر نفسي قد يرافقها طيلة حياتها، وهنا تحضرني شخصية “صليحة” بطلة رواية “فتيات منتصف الليل”،التي آمنت بأن لها الحرية الكاملة، وحق التصرف في جسدها، لكنها تدخل في متاهات كبيرة بعد ذلك، إذ تتكشف لها الحقيقة المرة، وتتجرع آلامها وحيدة، وتتبخر آمالها، لتجد نفسها في عالم المجهول.. وإذا علمنا أن أولئك الذين يدعون إلى الإجهاض، ينادون من جهة أخرى بإلغاء عقوبة الإعدام، فسنعلم حجم التناقض ومدى تخبطهم.. إذ كيف يعقل أن ندافع عن حياة مجرم أذانه القانون، ونصادر حق طفل بريء لا يستطيع الدفاع عن نفسه..

ما أعلمه أن أغلبية المغاربة يرفضون هذه الآفة، لكن أصوات لوبيات تقتات منها، وهي أقلية، ارتفعت وتعالت، متخذة من ظاهرة اجتماعية قنطرة سياسية لتصفية حسابات ضيقة، وهذا قد يدخل المغرب في متاهات كبيرة هو في غنى عنها.. مرة أخرى نسائل هؤلاء: متى كان القتل حلا؟ ما يدركونه ويتجاهلونه أن الإجهاض ما هو إلا نتاج مشاكل عميقة تشكل أولوية كبرى، وجب البحث فيها وتشريحها للوصول إلى حلول حقيقية، لا العمل على إفلاس المجتمع أخلاقيا..

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم    فأقم عليهم مأتما وعويلا

تعليق 1
  1. أحمدالمداني المغرب يقول

    لامكنني الا ان اعلق بماقلت:( وإذا علمنا أن أولئك الذين يدعون إلى الإجهاض، ينادون من جهة أخرى بإلغاء عقوبة الإعدام، فسنلعم حجم التناقض ومدى تخبطهم.. إذ كيف يعقل أن ندافع عن حياة مجرم أذانه القانون، ونصادر حق طفل بريء لا يستطيع الدفاع عن نفسه.. )مم يدل على ان هؤلاء ببغاوات يددون ماقاله اسيادهم أمرتزقة يتبعون شهواتهم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.