نفق “تيشكا” …مطلب شعبي اقتصادي وإنساني

0 484

على هامش الحملة التي أطلقها مجموعة من الشباب من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يرفعون صوتهم بكل هدوء عبر الكلمة والصورة ومختلف الأشكال التعبيرية التي تتوحد في المطالبة ليس بامتيازات اجتماعية أو ترفيهية رغم افتقار المنطقة إلى الكثير منها طبعا، ولكن من أجل المطالبة فقط بربط أبناء هذه المناطق الصحراوية الأبية بشكل طبيعي بمحيطهم وباقي تراب وطنهم.

سياق هذه المطالب ليس بالجديد، ولكنه ارتبط أساسا بما أصبح ينجم عن الطريق المؤدية إلى مدينة ورزازات وزاكورة بما يعرف ”بتيزي نتيشكا” من كوارث متعلقة أساسا بإزهاق الأرواح البريئة كان آخرها ذلك الذي وقع قبل أسبوعين وأسفر عن مصرع ثمانية أشخاص وإصابة العشرات بجروح، وهو ما خلف استياء وطنيا كبيرا على غرار ذلك الذي شهدته مدينة طنطان أيضا.

وإذا كانت الأشكال التعبيرية التي يقودها شباب المنطقة على بساطتها فإنها تساءل المسؤول السياسي عن أسباب العزوف عن تأهيل البنية التحتية لهذه المنطقة وبالتالي الابتعاد عن المنطق البالي الذي يصنف المغرب إلى نافع وغير نافع، وإن كان هذا المسؤول متمثلا في الوزارة المكلفة بالنقل يتذرع بالكلفة المالية الكبيرة التي ستنتج عن إنجاز هذا المعبر.

وإذا فرضنا فعلا أن تكلفة هذا المشروع عالية فإنه يتعين أن نبتعد عن المقاربة الحسابية والكلاسيكية في احتساب هذه الكلفة أي التقدير المالي فقط، وإنما يتعين استحضار المقاربة الشاملة والأهداف الاستراتيجية التي يهدف إليها المغرب والتي ما فتئ صاحب الجلالة يؤكد عليها في خطاباته للمسؤولين بابتداع أساليب جديدة للتدبير في الاجتهاد في إعدادها وتنزيلها، خاصة وأن مغرب العهد الجديد و دستور 2011، لا يحتمل الفوارق الجهوية التي ليس لها أساس قانوني ولا دستوري، على اعتبار أن اتجاه المغرب نحو تبني جهوية متقدمة فلسفته استثمار وتعبئة كافة الإمكانيات الوطنية والمحلية من أجل النهوض بكل جهة على حدى وفق خصوصياتها ومؤهلاتها المتنوعة، مع استحضار مبدأ التضامن بين الجهات وفي إطار الوحدة الترابية.

وهكذا، فإن البنية التحتية لا ينبغي أن تكون عائقا للتنمية وللربط الثقافي والحضاري بين مناطق وجهات المملكة، على اعتبار أن معبر تيشكا مثلا، له أبعاد اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وكذا إنسانية مهمة.

فعلى المستوى الاقتصادي فإنه لا يخفى الدور الذي يلعبه محور مراكش ورزازات وزاكورة في مجال النهوض بالسياحة التي يعول عليها المغرب لتحقيق التوازن الاقتصادي والحد من هجرة الساكنة وما ينتج عن ذلك من اختلالات حضرية ومشاكل اقتصادية واجتماعية.

كما أن من شأن إحداث هذا النفق تشجيع رؤوس الأموال على الاستقرار بهذه المناطق بالنظر لما تزخر به من مؤهلات اقتصادية وبشرية قادرة على مواكبة مختلف الأنشطة المذرة للدخل وبالتالي الرفع من مستوى التنمية المحلية والجهوية، كما أن هذه المعبر من شأنه أن يربط المنطقة بشكل سلس بالجهات الاقتصادية الكبرى للمملكة وبالتالي تيسير وتسريع مرور البضائع والسلع…

أما على المستوى الاجتماعي، فإنه مرتبط بشكل وثيق بالجانب الاقتصادي حيث يتحسن بتحسن الدخل وتوفر فرص الشغل والاستثمار، وبالتالي الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية خاصة المرافق الصحية والتعليمية التي ستستفيد من فك العزلة عن هذه المناطق، وما لذلك من آثار إيجابية على تأهيل العنصر البشري المحلي واضطلاعه بأدواره التنموية.

أما على الصعيد الثقافي فلا يخفى ما تزخر به هذه المناطق من مؤهلات وموروث ثقافي لامادي كبير، تقتضي المحافظة عليه وتثمينه من خلال الاستثمار فيه، وتأهيل بنياته والنهوض بها، باعتباره إحدى المكونات والخصوصيات التي تشكل شريانا لأبناء المنطقة ولزوارها.

ومن الزاوية الإنسانية، فإنه أضحت المسؤولية الأخلاقية، بغض النظر عن المسؤولية السياسية والشعبية، تتزايد كلما انبرى أهالي المنطقة في تعداد ضحايا الحوادث المميتة التي تعرفها طريق تيشكا الذي لا يتعدى طولها 40 كلم، والذي يتطلب قطعه أزيد من ساعة ونص فوق سفوح الجبال تارة وعلى حافتها تارة أخرى، فكيف لنا أن نحمل المسؤولية المهنية للسائقين عن إزهاق الأرواح البريئة ونحن لم نتحمل مسؤوليتنا في تهيئة الطريق الملائمة لعرباتهم.

طبعا لا يعني ذلك إلا استمرار الحذر واحترام قوانين السير، والتعبئة خاصة على مستوى المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية على اعتبار أن الأمر يمس الحق في التنمية كإحدى الحقوق الكونية قبل أن تكون حقا وطنيا ومقتضى دستوريا، يساءل المسؤول السياسي عن دوره في تعبئة الموارد المالية وتحقيق الشراكات الدولية والتمويلات المطلوبة من أجل مطلب عمر طويلا إنه إحداث نفق تيشكا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.