تعليمــنا… أيـــن الخـلل ؟

0 345

   لعل من نافلة القول التأكيد على أن تعليمنا العربي والمغربي خاصة يعيش أزمة خانقة، أزمة امتدت شظاياها لكل القطاعات والمجالات.. ما يدفعنا للتساؤل أين الخلل؟ وما السبب فيما آلت إليه الأوضاع اليوم ؟

   لاشك أن جامعاتنا تطورت، فكل عام نرى كلياتنا تتوسع، ومدرجات تستحدث، وميزانيات تضاعف، وأساتذة وأطر تربوية وإدارية توظف، بمعنى أن هنالك مجهودات بذلت وتبذل، في سبيل النهوض بالقطاع.. ندوات تعقد ومحاضرات تلقى هنا وهناك بحضور أساتذة متخصصين وباحثين وعلماء، تحفهم جموع غفيرة أينما حلوا وارتحلوا في جامعاتنا المنتشرة في ربوع المملكة.. ثانويات وإعداديات ومدارس تضاعف عددها، بنايات حمراء تطالعك حيثما رنوت بتجهيزات لن نقول عنها متطورة، ولكنها أفضل بكثير مما كانت عليه سابقا..

   أما البرامج والمقررات الدراسية فلا تكاد تستقر على حال، تغيير دائم ومحاولة لمواكبة تطورات العصر، صفق لها البعض، وانتقدها البعض الآخر.. لكن الأكيد أنها تغيرت، وتتغير باستمرار..

   واقع لا يسعنا معه القول إلا أن هنالك محاولات للتغيير، ظاهريا على الأقل، بمعنى أن الدولة استشعرت العطب والخلل، فبادرت إلى ترميمه وإصلاحه.. لكن لماذا لا يزال تعليمنا رغم كل هذا متخلفا، بل يزداد العطب عاما بعد عام.. ؟؟ منتهى الغرابة والعجب..  

هو سؤال محير حقيقة.. أنا على يقين بأن الجميع يطرحه، لأن الكل معني به، شئنا ذلك أم أبينا.. أفواج وأجيال تضيع أمامنا بقصد أو غير قصد.. دليلنا على ذلك، واقع التلميذ أو الطالب المغربي اليوم، بله الأستاذ والدكتور، مازلت أذكر أنني طلبت يوما من تلميذ في الجذع المشترك آداب كتابة التاريخ على السبورة في بداية الحصة.. وقف التلميذ حائرا والطبشور في يده، يحك رأسه، يعض على شفتيه، يخط بعض الحروف ويمسحها بسرعة.. نظرت إليه فأيقنت أنه لا يعرف كتابة (الثلاثاء).. حوقلت وطلبت منه الجلوس.. يبدو الأمر غريبا بعض الشيء.. لكن هذا هو تلميذنا، واقعنا صناعتنا مرارتنا، نجترها بمضض.. واأسفاه.

أنى لمجتمع لا يعرف ما يريد أن ينتج ما يريد ؟ أنى لمجتمع ممزق الهوية أن يكون كما كان في الماضي ؟

   إننا نحصد ثمار التشظي والتمزق الذي تعيشه ذواتنا، كيف لا ونحن غير راضون تماما بفكرنا وحضارتنا وثقافتنا وهويتنا التي تسكننا ؟ أصبحنا نعيش غربة ما بعدها غربة، غربة وسط الوطن والأهل والأحباب، غربة ذاتية ومجتمعية وتاريخية.. مجتمع صنعناه ولا تربطنا به أي علاقة، ننشد السراب، فتتهدم أحلامنا فوق رؤوسنا يوما بعض يوم، أحلام لم نؤسس لها ما يسندها، بل بنيناها على الرمال فتبخرت، وأصبحت قذى في عيوننا.. ويا ليته ظل في عيوننا، لقد أصبحنا نقذف به في عيون كل من نظر إلينا، أو نظرنا إليه.. فتكسرت النبال على النبال..

  لابد من التصالح مع ذواتنا أولا، ومجتمعنا ثانيا، وتاريخنا ثالثا، إن نحن حقا أردنا روح الإصلاح الحقيقي، لقد ساد أسلافنا العالم بفضل التجانس التام والتكامل البين بين ما هو داخلي فكري ثقافي، وما هو خارجي مجتمعي حضاري.. فحققوا ما حققوا بأبسط الوسائل والآليات، لأنهم امتلكوا ما عجزنا نحن عن امتلاكه، رغم كل شيء، امتلكوا الرغبة والعزيمة النابعة من الداخل الصافي.. لقد أحسوا بأنهم جزء من مجتمعهم من محيطهم فسعوا إلى إغنائه، كل من جانبه، بحب وصدق وإخلاص، لأنه منهم وإليهم.. فتأتى لهم ذلك، فأفادوا واستفادوا، وخلدوا حضارة وتاريخا وأسماء سنرددها إلى الأبد، أسماء لم تحتج إلى وسائل إعلام تمجدها أو نقاد مرتزقة يركبونها لبلوغ المجد، بل حفظتها الذاكرة الفردية والجمعية، ببساطة لأنها عجزت عن نسيانها وقذفها في مزبلة التاريخ.. وهذا يؤكد بالملموس أن الوسائل والبنيات التحتية ليست هي كل شيء، بل الأهم الرغبة المتقدة في الإنسان.. وهذا ما وجب الاشتغال عليه، والبحث فيه.. نعم الوسائل تساعد تسهل العملية، لكنها ليست كل شيء.. اشتغلنا على المحيط وتناسينا بل غيبنا الجوهر، فلا الوسيلة أفادت ولا نحن استفدنا..

ما وجب التأكيد عليه أولا وأخيرا هو أن تعليمنا فاشل وإصلاحاتنا سطحية عدمية، لا تمس الجوهر، لأنها غير منسجمة مع ذواتنا، وغير متسقة مع طموحاتها، دليلنا على ذلك الفشل الذريع للمنظومة، وعدم نجاعة وفعالية برامجها في تخريج جيل قادر على تقاسم هموم المجتمع وقضاياه، جيل قادر على العطاء، دون انتظار جزاء.. جيل قادر على رفع التحدي في زمن التكنولوجيا المتطورة..

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.