الغياب المدرسي – الجزء 2 –

0 426

Ø       بُعد المسكن عن المؤسسات التعليمية : تشكل عنصرا مشجعا على الغياب ، فالتلميذ لا يجد حرجا للتصريح بمعاناته من هذا العامل ، فلا يجد المشرف التربوي إلا أن يتضامن معه في محنته وتقدير هذا الظرف القاهر .

Ø       الاختلاط برفاق السوء :ويقع ضحية هذا العامل المتعلم الشاب عندما يلج مرحلة المراهقة وخاصة إذا كانت هذه المراهقة اندفاعية ، فالتلميذ في هذه المرحلة يرغب في تجريب كل شيء والانتفاض على كل الاعراف والقوانين التي كان يرى فيها ذات يوم عبئا ثقيلا يحد من حريته ، وقد ينخرط في جماعة فيشعرون بقوة تدفعهم للغياب الجماعي ثم يتطور الأمر الى الانغماس في عالم المخدرات والشغب .    

2 – عوامل اقتصادية : مرتبطة بالحالة المادية للأسرة ، فقد بينت العديد من اللقاءات التواصلية أن بعض حالات الغياب كانت بدافع العوز و الحاجة والبعض الآخر كان بسبب الترف وهكذا يمكن تمييز ثلاثة مستويات كما يلي :

Ø       الغياب خلال مواسم أو أيام وحصص معينة في الأسبوع للتسوق أو للاشتغال لتوفير بعض الضروريات لمساعدة الأسرة التي تعاني من غياب المعيل أو مرضه .

Ø        التطرف والمبالغة في تدليل الأبناء بتوفير جميع وسائل الترفيه ،له العديد من الآثار السلبية كما أن ارتفاع مستوى المعيشة لبعض التلاميذ مع ضعف المستوى الثقافي للأسرة يقلل من فائدة التعليم وقيمته في نظرهم ويدفعهم إلى التمرد على النظام والانضباط.

Ø       شعور التلميذ بالدونية والاحتقار أمام الأقران بسبب نوعية ملابسه أو حرمانه من بعض وسائل التواصل التي أصبح يتباهى بها الكثير من المراهقين أمام زملائهم ، فيلجأ الى الغياب تعبيرا منه عن الرفض أو انتقاما من الوضع.

3 – عوامل ذاتية : متعلقة بذات المتعلم من حيث جوانبه السلوكية والسيكولوجية والاجتماعية ، وهكذا يمكن الوقوف عند الحالات التالية :

Ø       التهاون في إنجاز الواجبات المنزلية ، والخوف من التبعات .

Ø       سوء العلاقة بين التلميذ وزملائه مما ينفره من هذه الفضاءات التي تجمع بينه وبينهم .

Ø       الشكوى من المرض الوهمي أو ما يسمى التمارض .

Ø       انعدام الرغبة لدى المتعلم نتيجة حالة من الاكتئاب التي يمكن أن تكون بسبب العناصر السابقة . 

4 – عوامل تربوية : ونقصد بها كل ماله علاقة بالمؤسسة التعليمية من حيث البنية والأطر والأنشطة وقنوات التواصل بالشركاء الخارجيين … فكل عنصر من هذه العناصر يمكن أن يكون عنصر جذب أو تنفير من هذا الفضاء ويمكن توضيح أثر كل طرف وكيف يؤثر في الحياة المدرسية :

Ø       الإدارة المدرسية : في بعض الإدارات يلاحظ تقصير كبير في متابعة مواظبة المتعلمين على دروسهم وإهمال مراسلة أولياء أمورهم ولا شك أن هذا السلوك يبعث برسائل سلبية للمتعلم مما يشجعه على تكرار الغياب بل يصبح ظاهرة . وقد نجد بعضها غير جادة في عملها قبيل الاجازات الرسمية مما يدفع الكثير من المتعلمين الى الغياب  و في المقابل هناك إدارات تبتكر أساليب مثيرة ومحفزة لحضور التلاميذ  قبيل الاجازات كتنظيم أنشطة موازية  : مسابقات رياضية ، معارض …

Ø       الحياة المدرسية: إن افتقار الفضاء المدرسي للأنشطة والفعاليات المشوقة يؤدي لنمو نوع من الروتين الممل في نفوس المتعلمين مما يجبرهم على العزوف بشكل تلقائي عن الحضور في محاولة لكسر تلك العادة ،لذا ينصح خبراء التربية بأن تكون المدرسة غنية بالأنشطة والفعاليات والمسابقات  ويجب على كل الإدارات المدرسية أن تعمل باستمرار على تفجير تلك الطاقات المتوقدة في نفوس المتعلمين ، خاصة خلال الأيام التي تسبق أو تلي العطل الرسمية لوضع حد للغيابات الجماعية .

Ø        المدرس: مما لا جدال فيه أن شخصية المدرس وطريقة تواصله وأسلوبه في التدريس لهما دور كبير في استمالة المتعلمين له وحرصهم على حضور حصصه فكلما كان محبوباً من طلبته كلما كان حرصهم على  مادته قويا والعكس صحيح غير أن بعض المدرسين  ينزلون بتلامذتهم الى حدود غير مقبولة تصل الى درجة كشف السر المهني مما يدفع الكثير منهم الى عدم الحضور.

Ø        جمعية آباء وأولياء التلاميذ : لا يخفى على أحد أن هذه الجمعية هي الناطق الرسمي والشرعي باسم الآباء وهي المحامي ، الى جانب الأب أو الولي ،عن كل تلميذ ، ومن واجبها تتبع مسار كل المتعلمين بالمؤسسة ، والتواصل مع آباء المهددين بالانقطاع بسبب الغياب ، غير أن واقع الحال يكشف عن مفارقة خطيرة ، فهذه الجمعية يقتصر دورها في جل المؤسسات على استخلاص الواجبات المادية ثم تختفي .

ثالثا نتائج الغياب على مستقبل المتعلم التعليمي والاجتماعي والنفسي ؟

    من بين الجلسات التي تمتزج فيها الحسرة بالأمل تلك التي تجمع بين أب ضيع أو حُرم من فرص للنجاح وابن يسير على خطاه ، يحدث هذا عندما يتم استدعاء أب أو ولي أمر للاطلاع على غيابات ابنه ، حيث يحاول هذا الاب الذي انقطع عن دراسته لأسباب موضوعية ، أن يقنع ابنه انطلاقا من تجربته ، أن لا معنى للحياة بدون تعليم ولا يسعه الا أن يقول يا ليت الفرصة تتاح لي مرة أخرى إذن لاستكملت دراستي …وهو محق في هذا فالغياب عن الحصص الدراسية هدر خطير للزمن المدرسي المسطر ،يحول دون استكمال بناء المفاهيم في ذهن المتعلم ذلك ان المنهاج التعليمي سلسلة متصلة الحلقات متكاملة الاهـداف والمرامي ، وكـل توقف بسبب الغياب يـؤدي مباشرة الى ضياع حلقة ثمينة يصعب تعويضها بالترميم .

  إن الغياب هو الخطوة الأولى للانقطاع عن الدراسة أو التكرار في أحسن الحالات ، فهو سلوك مرضي عندما يتكرر، حيث يرتقي بالمتعلم الى درجة الإدمان يفقد معه كل شهية للتعليم والدراسة ،ثم يتطور الى حالة انطواء على الذات تخلق في المتعلم شخصية عدوانية متمردة على كل ما يمت الى النظام بصلة .وبهذا السلوك يتم إفراغ المؤسسات التعليمية من كل محتوى تربوي ، وقد تُتهم بأنها مقصرة في التربية ، إذ لم تستطع أن توفر الحضن الدافئ لمثل هذه الحالات ، وما أكثر ما سمعنا التهم تُكال للمدارس من المسؤولين والمثقفين بلْه المواطنين العاديين .

  إن بناء الفرد وتأهيله ليكون عنصرا فاعلا في المجتمع هو من صميم الأهداف التي تسطرها الدول في برامجها التعليمية وظاهرة الغياب تنسف بشكل خطير كل هذه الأهداف وتضيع موارد مادية هائلة هدرا ، فالغياب المستمر يؤدي حتما الى تفريخ أشباه المتعلمين الذين لا يمكن أن يعول عليهم كليا في بناء المجتمع بل هناك من يرى أن هذه الفئة أخطر بكثير من الأميين الذين لم تطأ أقدامهم مدرسة قط ، وقد بينت بعض الاحصائيات أن جل المنتمين للحركات المتطرفة اليوم من هذه الفئة حيث تجد صعوبة كبيرة لإقناعه أو ثنيه عن مواصلة طريق الضلال الذي يسلكه .

  وخلاصة القول فإن الامم المتقدمة حضاريا وعلميا واجتماعيا لم تتبوأ هذه المكانة إلا بالتعليم ، بنت له المدارس والمعاهد والجامعات ، وشجعت البحث العلمي والمتفوقين ووفرت للمتعثرين مسالك متنوعة يفجرون فيها مواهبهم مما قلل من نسب الغياب وبالتالي ضمان تأهيل هذا العنصر البشري ليلعب دورا هاما في دورة المجتمع وتجنيبه السقوط في براثن الفراغ والضياع والتطرف الذي يمكن أن يصير إليه ،وقد تفتقت قريحة المنظرين بوزارتنا فأبدعت فلسفة “الارجاع” الى صفوف التمدرس لمحاربة مشكلة الهدر المدرسي ، و هي فلسفة لم تحقق الأهداف المتوخاة بل ساهمت بشكل خطير في نشر ظاهرة الغياب في صفوف باقي المتعلمين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.