حول قضية ” الأراضي، القبائل ” والدّولة

0 335

                بعد المحاضرة التي ألقينهــا على هامش أيام الحركة الثقافية الأمازيغية، رفقة الزميل ” أشبـاخ ” وهو طالب باحث ، أترنا فيه قضايا الثروة والسياسية و الاقتصاد والأراضي… ، سألني أحد الحاضرين : من يملك الأراضي ؟ ، ٱندهشث كثيــرا من هذا المعطى وبكونه يرتبط بسؤال خطاب العرش 2014م الذي طُرح من قريب : أيـن الثروة ؟ وسيكون أكثر تعقيدا حينمــا نطرحه بصيغته الصحيحة : من يملك الأرض يملك الثروة بمعادنهــا وبحارهـا وفوسفاطها .

               فقضية الأراضي والثروة هي من القضايا الكبرى الحساسة والمحنطّة في تاريخ المغرب السياسي منذ أن رسم له الفرنسيون معالمه وحدوده السياسية إبتداءًا من 1906م ، ويحتكره ” المخزن الســامي العميق ” في إدارته منذ 1956م ويتحفظ وبإلحاح سياسي شديد في عرضه للنقـاش العمومي ، خصوصا أن نزاع القبائل والمخزن كان يدور رُحاه حول ” الأراضي ” والنفوذ والحدود السياسية ، وهو ما جعل الكلونياليين الفرنسيين الأوائل أن يوظفوا مفهوم ” بلاد السيبة ” ( القبائل ) و” بلاد المخزن ”.

             ويمكن أن ننطلق بكون قضية الأراضي والقبائل بالمغرب كانت من إهتمامات الفرنسيين تحت إشراف ” المدرسة الكولونيالية ” منذ 1887م والتي نظمت رحلات ٱستكشافية وأبحاث ميدانية تحت لواء وزارة المستعمرات كمخبرين وجواسيس عسكريين ” شارل دو فوكو ، مونتاني ، سبيلمان ، روني أولوج …، فكان من إختصاص ” الدراسات الإثنية ” إنجاز بحوث وتقارير ميدانية حول القبائل والأراضي ويكفي أن نذكر أن ” شارل دو فوكو ” هو أول من أنجز « البطاقة الجيولوجية للمغرب،  la carte géologique du Maroc »  ابتداءًا من 1887م، ومنهـا رسم الفرنسي » لويس ماسينيون « L.Massinion  مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا  ”   البطاقة الجغرافية للمغرب  ” منذ 1914م ، لكن أهم ما يمكن أن نسجله حول هذا المعطى أن التيمة المهيمنة في تاريخ المغرب السياسي قبل 1901م هو الصراع العمودي ، وهو نزاع كلاسيكي بين القبائل والمخزن ويكفي أن نذكر أن السلطان العلوي ” المولى إسماعيل ” تم إعتقاله وأسرُه  على خلفية صراعه مع قبائل الأطلس وهذا ما دفع الدولة بعد 1956م أن تسمي مؤسساتها بما فيها الجامعة تحت إسم ” مولاي اسماعيل ” لِما له من دلالة تاريخية رمزية وسياسية .

                 إن الصراع السياسي التقليدي حول النفوذ بين المخزن والزعامات القبلية كإتحاديات وكنفدراليات سياسية كبرى والتي شكلت لنفسها نوعا من الإستقلال السياسي سينتهي وسيتحول إلى صراع جديد بين القبائل وذخول أقطاب جديدة أعلنت ولائها للجنرال ليوطي بعد خطابه 1914م للأعيان الكبار كـ : ” التهامي الكلاوي ،المدني الكلاوي عبد الحي الكتاني…” والزوايــــا ” وهو ما صرح به المسؤول الكولونيالي ” جاك بيرك ” في تعامل الزاوية التيجانية مع الفرنسيين في إستقطاب القبائل والأعيان الجُدد ضد الرافضة للخضوع والإستسلام ، وإن الصراع الجديد بين القبائل هو ما دفع الفرنسيون أن يُطلقوا مصطلح جديد لحملتهم العسكرية على القبائل تحت مفهوم ” التهدئة ” وهو مصطلح سياسي يندرج ضمن المفاهيم التي ترتبط إيديولوجيا بـ ” بلاد السيبة ” ، وهي تسمية وتهمة سياسية وظفها السلاطين العلويين قديما في مراسلاتهم السياسية مع زعماء وشيوخ الزوايا ووظفها أول مرة الدبلوماسي ” الحاج المقري ” في مفاوضات الجزيرة الخضراء 1906م ، وهذه التهمة السياسية لا زال مغرب المقاومة يدفع ثمنهــا إلى يومنــا هذا . وصراع القبائل فيما بينهــا دفع ” الإستغرافيـا الفرنسية ” أن تصفه بعض النماذج بــ ” الإخوة الأعداء التقليديين ” .

              ويمكن أن نشير إلى معطى سياسي ينحصر في كون أن قضية ” القبائل والأراضي ” تندرج ضمن قضايا التوافق السياسي منذ الإعلان عن الدولة العصرية 1956م أو قبل ذالك ويكفي أن نردف بأن الفرنسيين كانو السباقين في إثارة ملف ” أراضي القبائل ” خصوصا منذ صدور ” ظهير 1914م ” وهو ظهير سياسي يسعى إلى نزع الأراضي للقبائل لتكون تحت سلطة المخزن (العائلات الكبرى) ونفوذه السياسي وهذا ما يُفسر اليوم إمتلاك هذه العـائلات السياسية لصحو البلاد بعسكره ومعادنه وبحاره وفوسفاطه ، ونعتقد أن ملف الأراضي يُديره بشكل حصري وسياسي ” المخزن العميق السامي ” منذ الإعلان عن تشكيل ” المندوبية السامية للمياه والغابات  ”  وظهور   مصطلح  ”   بوغابة ،           garde forestière et du territoire  ” وهو يد ومُخبر  الذاخلية  في مراقبة الأراضي ، وجميع الأحزاب والهيآت  السياسية بكل أطيافها لا تستطيع أن تدرج وتُعالج ملف الأراضي في برامجها السياسية لأنه تقيل ومن المسكوت عنه كان من أولويات الفرنسيين ومشروعهم السياسي بالمغرب، بذالك سنفهم توجّس الدولة في إثارته و بادرت إلى إصدار ” قانون المياه والغابات ” وهو قانون وضعه الفرنسيين منذ مقتضيات ظهير 1917م وينحصر في ” حفظ الملك الغابوي وحق الدولة (المخزن،العائلات) ، فرض الشروط بشأن استغلاله والانتفاع به ، وهو ظهير إستعماري خطير وساري المفعول إلى يومنا هذا ، بل يجعلنا نفهم سؤال أين الثروة ومن يسرقهـا وينتفع بهــا ، فالمملكة المعدنية تشبه كثيرا ” مملكة إقطاعية شريفة ” يسود فيها ” الســــيّد,  seigneur  ” ويملك كل شيء، فيكون المواطنون المغاربة ” أقنـان القرن 21م ” بما تحمله الكلمة من معنى .

            ونعتقد أن المخزن الإداري العميق منذ 2011م  يسعى إلى إعادة ترتيب أوراقه من جديد وبسط سيطرته حول ملف ” الأراضي بمعادنها ” عبر طرحه لورقة ” ملف الأراضي ” ليكون ملف نزاع  بين القبائل ليتدخل وينفرد في إدارته بسياج من الظهائر الاستعمارية والقوانين السياسية وهذا ما يفسر ظهور مصطلح ” تحديد الملك الغابوي ،أراضي الدولة ” ، وعلى زعماء القبائل ومثقفيها و الحركة الأمازيغية على الخصوص أن تنتبه وتَحْذر  من هذه المناورة السياسية وألاّ تنزلق في هذا ” الوحل السياسي ” المُفتعل ،ويكفي أن نشير أنّ ذهنية ” المخزن العميق ” لا زالت تحتفظ بـمصطلح ” بلاد السيبة ” وما يحمله من دلالات أيديولوجية وسياسية وإلا لِمـا هذا الحيف الاقتصادي والسياسي على المغرب العميق منذ 1956م إلى عصرنا هذا ؟ ومن هنا يبدأ النقـاش أن ” قضية الأراضي والمعادن والبحار ” تستحق أن تكون وطنية، ويمكن للحركة الأمازيغية بالمغرب أن تتخذهـا أرضية سياسية وإستراتيجية ورأسمالها السياسي وإلاّ سيوظفه ” المخزن السياسي الباطني ” لإعادة مشروع الجنرال ليوطي ” التّهْدئـة ” بمفاهيم ومسميات جديدة ، فالمشروع السياسي الفرنسي والمخزني من أولوياته هدم ” بنية القبيلة ” وتفكيكهــا عن طريق نزع مُعطى ” أرض القبيلة ” ليصبح ” أرض المخزن ( العائلات) ، وهذا ما يجعلنــا نستوعب إحتفاض الدولة بالظهائر الإستعمارية المتعلقة بالأراضي منذ 1914م إلى يومنـا هذا ، ليبدأ النقاش حول سؤال أين الثروة ؟ يستلزم الإجــابة الحــاسمة وبإلحاح شديد عن ســــؤال من يملك الأرض بالمغرب ؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.