سيكولوجية العنف : عنف المؤسسة و مأسسة العنف / الجزء الأول

0 1٬845

نقدم  قراءة في كتاب “سيكولوجية العنف : عنف المؤسسة ومأسسة العنف” للدكتور احمد اوزي، الذي صدر في العدد 36 ، وهو من منشورات مجلة علوم التربية،في طبعته الاولى سنة 2014 عن مطبعة النجاح الجديدة  بالدار البيضاء. 
والكتاب من القطع المتوسط ويقع في 192 صفحة ينقسم الى مقدمة و سبعة فصول وردت كما يلي :

  • الفصل الاول : مفهوم العنف والاعتداء ومظاهره.
  • الفصل الثاني : العنف الممارس على الاطفال والمراهقين : الفعل ورد الفعل.
  • الفصل الثالث : عنف المؤسسة المدرسية اداة انتاج العنف المدرسي.
  • الفصل الرابع: نظريات في تفسير العنف والعدوان.
  • الفصل الخامس: العنف المدرسي واساليب التغلب عليه.
  • الفصل السادس : عنف المؤسسة او مأسسة العنف.
  • الفصل السابع : اساليب الوقاية من العنف والاعتداء.

وفي تقديمه للكتاب يشيرالدكتور احمد اوزي الى ان العنف تنامى في المجتمعات الانسانية خلال العقود الاخيرة بوثيرة مخيفة تهدد قيمها ومستقبل وجودها وحضارتها، ومن هنا اصبح العنف موضوعا مركزيا في العديد من المقاربات والدراسات العلمية والمعرفية. حيث بين ان علم النفس بمختلف فروعه ، كعلم النفس العام ، وعلم النفس الاجتماعي ، والتحليل النفسي، يعنى بالبحث عن دوافع العنف والعدوان ومظاهره المختلفة. كما ان علم الاجتماع بدوره يحاول تفسيرهذا السلوك وعلاقته بمختلف التجمعات والحياة الاجتماعية للفرد ومستوى حياته الاجتماعية والاقتصادية. وتحاول التفسيرات العلمية في الجانب الفيزيولوجي والجيني فك شفرات العديد من الوظائف العضوية وتأثيرها في افراز السلوك المتسم بالعنف والعداء.

وانتقلد. أوزي ليبين ان العنف اصبح سلوكا يوميا في جميع انحاء العالم اذ يظهر واضحا في العلاقات بين الافراد والجماعات وعلى مستوى الدول، وغدا الاسلوب العنيف وسيلة لإشباع الرغبات والدفاع عن المصالح الشخصية ووسيلة المستضعفين لإسماع صوتهم والدخول في حوار مع من يستغلهم ويستعبدهم.

  • الفصل الاول : مفهوم العنف والاعتداء ومظاهره.

في تقديمه لهذا الفصل يرى ذ.اوزي،ان العنف في مختلف مظاهره واشكاله وابعاده يعتبر من بين الموضوعات الشائكة التي ليس من السهل على العلوم الانسانية دراستها دراسة علمية ومعرفية دقيقة، مما يجعل دراسة العنف وتفسيره وفهمه يشكل في الوقت الراهن تحديا كبيرا بالنسبة للعلوم الانسانية التي تعرف توزعا وانقساما وتنافسا فيما بينها.

ونظرا لصعوبة تعريف وتدقيق مفهوم العنف (violence) يرى الكاتب ان مفهومه يكاد يكون مستبعدا من العديد من القواميس المختصة في مجال علم النفس، والتي تفضل الحديث عن مفهوم العدائية والاعتداء والعدوانية (agressivité) او مفهوم الصراع(conflit)بذله.

o       مفهوم العنف في اللغة :

يوضح هنا د.اوزي ان معظم القواميس العربية تتفق على ان العنف يدل على الخرق والتعدي والأخذ بالشدة والقسوة وايقاع اللوم على شخص . فالعنف ضد الرفق .والتعنيف ايضا هو التعيير واللوم.

اما كلمة (violence) في اللغة الفرنسية فهي مشتقة من اللفظة اللاتينية (vis)  التي تدل على الاستخدام غير الشرعي للقوة.فالعنف استخدام للقوة دون سند شرعي ورفض للقانون والعدالة والخضوع لأي سلطة. ويورد الباحث ايضا في نفس السياق تعريف قاموس لوجيندر (legendre.R,2005) العنف من الوجهة النفسية والاجتماعية والتربوية بأنه الاستعمال المفرط او الفظ للقوة من قبل شخص او جماعة تجاه شخص او جماعة من الاشخاص.ويرى لوجيندر حسب الكاتب ان المظاهر العامة للعنف تتجلى في الحركات او الاقوال المتسمة بشكل مقصود بالاعتداء والفظاظة التي تهدف الى التهديد والتخويف والحرج او الاستعباد.

o         التعريف السيكولوجي للعنف : يعرف القاموس السيكولوجي لنوربيرسيلامي (N .Sillamy,1980 ) العنف بانه “استعمال مفرط للقوة من خلال نفي القانون ونفي حق الفرد”

o         التعريف العام للعنف : يعرف قاموس لوروبير (Le Robert) العنف تعريفا عاما بانه ” القوة المفرطة التي تستخدم لإخضاع الغير .فهي فعل وحشي”.

وقد خلص هنا الاستاذ اوزي الى انه مهما كان نوع التعريف الذي يقدم للعنف، فانه يظل تعريفا نسبيا لأنه يرتبط بجملة من العوامل التي تؤطره، مثل العوامل التاريخية والعوامل الثقافية والسياسية، فهو مرتبط بالنصوص القانونية والتشريعية التي تحدده في كل ثقافة وفي كل زمان ومكان. 

o       العنف الرمزي :

في هذا الصدد يورد اوزي ان العالم السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو (Pierre Bourdieu)يولي اهمية كبيرة للعنف الرمزي في تحليله السوسيولوجي للعنف، ويرى ان هذا النوع من العنف يتجسد في البنى الموضوعية التي تمثلها التشريعات والقوانين التي تحفظ سلطة المهيمنين . كما يظهر في البنى العقلية الذاتية التي تدور في مقولات الادراك والاعتراف والقبول للقوانين المسيطرة. كما يرى ان هذا الشكل من العنف تمارسه الدولة على الافراد والجماعات ،من خلال الضغط والقسوة عليهم في عملية تواطئية معهم. ويظهر ذلك جليا من خلال مضامين ومحتويات المقررات المدرسية التي تشيع افكارا تتعلق ببديهيات النظام السياسي واستدخال مفاهيم السلطة في نفوس المتعلمين، باعتبارها علاقة فيها سيد ومسود. والحال ان مفهوم الدولة وسلطتها ليست بالأمر المقدس.

o       مفهوم العدوانية (Agressivité) وجانبها الايجابي

يوضح هنا الكاتب ان كلمة عدوانية في اللغة الفرنسية مشتقة من الكلمة اللاتينية (Agredi)التي تعني السير نحو او ضد،والهجوم. والعدوانية صفة الشخص العدواني الذي يبحث عن العراك او على الاقل لا يعمل على تجنبه او الهروب منه،كما تدل العدوانية على معنى قدحي لأنها تشير الى خاصية الشخص المستعد لمهاجمة غيره،جسميا او اخلاقيا، بواسطة كلامه واتجاهاته بهدف الظهور بمظهر الاستعلاء او حتى بهدف احداث الالم او الضرر له.ثم ينتقل الكاتب ليبين انالاعتداء (Agression)هو هجوم شخص او جماعة بشكل مباغث، وبغير سبب على شخص آخر. والاعتداء ظاهرة طبيعية فطرية توجد في كل درجات السلم الحيواني ولها ارتباط بغريزة الحياة.

  • الفصل الثاني : العنف الممارس على الاطفال والمراهقين الفعل ورد الفعل :

في استهلاله لهذا الفصل، اوضح الكاتب ان العنف الذي يصدر عن الاطفال والمراهقين والشباب في العديد من الفضاءات، لم يعد يقتصر على المجال الاسري او المدرسي،وانما امتد كذلك الى الشارع العام،مما جعله يؤرق المسئولين السياسيين والجماعات المحلية والمدرسين والمربين والاباء والاطباء النفسانيين ورجال الدين ورجال التشريع والقانون. بسبب تفاقمه وبروز ظاهرة استسلام فئة الاطفال واليافعين والشباب الى مختلف اشكال الحقد والضغائن والصراع المتسم بالشدة والعنف الذي يبرز بوضوح ان الحياة او الموت لم يعد لهما معنى في نظرهم.

o       اولا : مصدر العنف الصادرعن الاطفال والمراهقين :

 يشكل العنف حسب الكاتب مظهرا من مظاهر اخفاق المشروع التربوي للمجتمع من خلال مؤسساته التي تعنى بتكوين الاجيال واعدادهم، كما يؤدي الى اهدار طاقة حية احوج ما يكون المجتمع اليها،مما يترتب على مثل هذا السلوك من اضطراب وتشويش على الراي العام وعلى امن وراحة افراد المجتمع.ويجد الكاتب ان المراهقين في المجتمع اكثر الفئات الاجتماعية تعرضا وممارسة للعنف.وفي الاخير انتقل الى الحديث عن اهم العوامل التي تولد العنف عند هؤلاء المراهقين ويلخصها في:

  1. غياب النموذج الابوي بالنسبة للمراهقين للتوحد به

يرى هنا الباحث في هذا الصدد، ان المشكل الدي يطرح بالنسبة الى الشباب الذي يتوفر على القوة والشدة او حتى على الضعف،هو انه يشكل في اغلبه فئات اجتماعية ضالة في قيمها وسلوكها وتصرفاتها بسبب غياب النماذج التي يمكن ان يتوحد بها،فهناك غياب للاب في الاسرة، وهناك غياب للنماذج الاجتماعية التي يمكن لنساء ورجال المجتمع ان يجسدوها امامهم،وغياب كذلك للنماذج التاريخية التي يهمل المجتمع بوسائله الاعلامية احيائها وتجسيدها امامهم عبر قنوات وسائل الاعلام التي تزخر ببطولات العنف.

  1. دور الاب في توازن شخصية الطفل

يشكل الاب حسب د.اوزي رمز الردع والسلطة في الاسرة وتأثيره قوي في تكوين شخصية الطفل. ان وجود الاب في الاسرة،وربطه علاقات تفاعلية مع ابنائه يجعله يجسد مفهوم السلطة والقانون والردع،مما يمكنه من ان يثري خبرات الطفل من زوايا جديدة مكملة للخبرات التي تزوده بها امه.  ان سلطة الاب وردعه للطفل لا تعني التسلط عليه وقمعه،مما يولد الاضطراب النفسي لديه،وانما تعني اكسابه سلوكا منظما داخليا يعود على عدم وضع او تحكيم مبدا اللذة في مكان مبدا الواقع.ذلك ان السلوك المتسم بالتهاون والتراخي يولد لديه الانحراف والتهافت فقط على اشباع نزواته الطفلية دونما رقيب ذاتي يحاسبه.

  1. المراهق والسلوك المتسم بالعنف:نحو بناء الهوية وتكوينها

يرى الباحث ان العقود الاخيرة عرفت اهتماما كبيرا من طرف المجتمع عامة والاباء والمربون والسياسيون خاصة،للمراهقين والشباب،واسلوب حياتهم،وعيشهم،ومشاكلهم. وذلك على اعتبار ان المراهقة هي مرحلة العمر التي يعرف فيها الشخص تغيرات عضوية،تحدث رجات واهتزازات وانعكاسات واضحة على شخصيتهعلى الصعيد النفسي،والاجتماعي،والعاطفي. وتعرف مرحلة المراهقة عدة ازمات يعتبرها بعض الباحثين “حالة مرضية”… اذ من خلال مختلف هذه الازمات التي تنتاب حياة المراهق يتمكن من العودة الى الصراعات العنيفة التي عاشها في الطفولة. وكذلك الصراعات المتعلقة بالصراع الاوديبي.وتؤدي شدة هذه الصراعات العنيفة وادماجها الى وضعيات حادة وصعبة وغير منتظمة،الى ممارسة السلوك العنيف الذي ما يزال يتصف بالطابع الاندفاعي والغريزي. 

o       ثانيا: تأثير مشاهد العنف والعدوان اليومي في وسائل الاعلام

يبين الكاتب هنا ان هناك عدة بحوث قامت بعدة دراسات لقياس التأثير المفترض لوسائل الاعلام التي تتضمن مشاهد العنف والعدوان. وقادت هذه البحوث الى نتائج تؤكد وجود علاقة بين سلوك العنف لدى الاطفال ومشاهدة التلفاز. وبينت انه من حسن الحظ ان سلوك العنف لايصدر بمجرد المشاهدة لما يجسده على الشاشة الصغيرة.فالمشاهدون لأفلام العنف لايغدون عنيفين بمجرد فعل التقليد.فهم  لايصبحون كلهم عنيفين وعدوانيين،وانما لا تتعدى نسبتهم ما بين 5% الى %10.

  • الفصل الثالث : عنف المؤسسة المدرسية  / اداة انتاج العنف المدرسي:

يبدأذ . أحمد اوزي هذا الفصل بالإشارة الى انه عند الحديث عن العنف المدرسي لايتم استحضار سوى عنف التلاميذ وممارستهم السلوكية، التيلا تستجيب لمقتضيات النظم المدرسية، وبالتالي يتم تغييب الحديث عن العنف الذي تمارسه المؤسسة المدرسية في حق التلاميذ. ذلك انه لا يتم التساؤل حسب اوزي،عما اذا لم تكن الاوضاع والممارسات “التربوية” في المؤسسات المدرسية عاملا مساعدا ومحفزا على ممارسة التلاميذ للعنف الذي يوصفون به،كأسلوبيستجيبون به لوضع غير لائق بتربيتهم وتنشئتهم .

واوضح ايضا ان العديد من البحوث التي تمت في العقد الاخير تؤكد اننا لا نستطيع فهم مختلف الظواهرالسلوكية التي تتم في المجال المدرسي ما لم نطرح تساؤلات عديدة حول طريقة واسلوب تدبير وتسيير الشأن التربوى والتعليمي والاداري فيها.وقد تناول هنا العديد من العناصر يمكن حصرها في ما يلي :

1-                    مقاربات في تفسير ظاهرة العنف و العدوان:

حسب اوزي هناك على ما يبدو مقاربتان اساسيتان حاولتا معالجة هذه الظاهرة، وهما :

         المقاربة الاولى : ركزت تحليلها على الافراد وعلى محيطهم الاجتماعي والاسري وظروف حياتهم وعيشهم الاقتصادي،محاولة الوقوف على جملة العوامل الكامنة وراء سلوكهم.

         المقاربة الثانية : ركزت على المؤسسة المدرسية ذاتها،ساعية الى البحث وتوضيح تأثيرها في هذا الجانب.

2-                    طبيعة المناخ التربوي السائد في المؤسسة المدرسية وفي فصولها الدراسية.

يقصد بالمناخ المدرسي حسب اوزي نوعية الحياة والتواصل القائم في المؤسسة المدرسية.والذي يؤثر بشكل واضح في مستوى العنف بالمدرسة مثلما يؤثر على فعالية التعلمات بها.كما ان وجود المناخ التربوي الايجابي في الفصل الدراسي،من شانه مساعدة المتعلمين على تحرير طاقاتهم وبذل جهدهم للإقبال على التعلمات عن ارادة. وتزداد الحاجة الى توافر مثل هذا المناخ في مدارسنا اليوم، وهي تعيش منافسة ومضايقة شرسة من قبل وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال .

وبعد ذلك انتقل الكاتب الى الحديث عن مظاهر المناخ المدرسي التي يسوق لها امثلة اهمها :

أ‌-             المناخ العلائقي او الاجتماعي وهو المناخ الذي يطلق على كل المظاهر الاجتماعية – العاطفية التي تتسم بها العلاقات القائمة بين جميع التلاميذ وما اذا كانت تتصف بالدفء الانساني وتبادل الاحترام والدعم الامن الذي يوفره كل واحد منهم للأخر.

ب‌-         المناخ التربوي،ويقصد به القيمة الممنوحة للتربية والتعليم والذي يتجلى في اخلاص المدرسة في تحقيق النجاح المدرسي للتلاميذ. كما يظهر في القيمة المضافة والمعنى الممنوح للتعلمات؛

ت‌-         المناخ الذي يحسس بالأمان الذي يتجلى في توافر الهدوء والنظام، بحيث يحس التلاميذ انهم في مأمن من مختلف المخاطر.

ث‌-         المناخ الذي تسوده العدالة،بحيث يعترف كل واحد بحقوق غيره والالتزام بقواعد تعلي من قيمة الحق والشرعية والمساواة والتطبيق المتكامل للجزاء والعقاب.

ج‌-          مناخ الاحساس بالانتماء الذي يتجلى في الاهمية الممنوحة للمؤسسة المدرسية كمثال للحياة يتم الالتزام بقواعدها ومعاييرها وقيمها.

ح‌-          وجود مشروع لتحسين المناخ القائم،وهو الامر الذي يتيح لكل الافراد المعنيين الالتزام بخلق بيئة تتيح لكل واحد حياة افضل في نمو وتفتح كفاياتهم.

  العوامل المساعدة على توفر المناخ التربوي الجيد بالمؤسسة المدرسية

يحدد ذ.اوزي هنا جملة من العوامل المساعدة على تحقيق المناخ التربوي الجيد، ويذكر اهمها الالمام بسيكولوجية المتعلمين، والحوار البناء والمفيد، وتطوير المهارات الحياتية للتلاميذ، ثم التشخيص والتدخل السريع، و تلبية حاجات الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من المتفوقين والموهوبين، مع تحقيق جو الامن والامان في المؤسسة المدرسية وتوافر الرعاية الصحية للتلاميذ، الى جانب مساعدة التلاميذ خلال انشطة التعليم والتعلم على تحقيق النمو والتطور الشخصي والاجتماعي؛ والعاطفي الذي يؤهلهم للعمل والتعاون مع غيرهم، والعمل على تحقيق الاتصال والتواصل بين كافة اطر المؤسسة المدرسية والقادمين اليها، فضلا عن اقامة علاقة ود وفهم وتعاون بين طاقم المؤسسة المدرسية وبين اباء واولياء امور التلاميذ، و العناية بجمالية البيئة الفيزيائية للمؤسسة المدرسية؛

ويخلص ذ.اوزي ان غياب هذه العناصر او بعضها يؤثر في تحقيق مناخ تربوي جيد يساعد على الحياة المدرسية. كما ان غياب هذه العناصر من شانه ان يؤدي الى خلق مناخ غير مساعد على التفرغ للتعلم، بقدر ما هو عنصر لتفريغ النزاعات والخلافات بين التلاميذ وبين اساتذتهم …وتؤدي الى تفشي سلوك العنف في المؤسسة المدرسية.

3-                    بنية المؤسسة المدرسية والعناصر المكونة لها:

يرى المؤلف انه يمكن النظر الى المؤسسة المدرسية من حيث العناصر المكونة لبنية عملها ووظيفتها باعتبارها مؤسسة تسير وفق ثلاثة عناصر وهي التلاميذ واسرهم والمهنيون بالمدرسة وهم الاساتذة والبنيات التحتية للمؤسسة،والمحيط الاجتماعي للمدرسة والذي يتكون من المجتمع والحي ووسائل الاعلام.

4-    بنيات النظام المدرسي التقليدي وانتاج سلوك العنف المدرسي

يرىذ. اوزي هنا ان التعليم المدرسي عندنا يربي الطفل على ضرورة ان يكون موضوعيا،وعلى كون المعارف علمية،وصحيحة،ومعنى ذلك انه قد سحبت منه امكانية مناقشة تلك المعارف وانتقادها. ونتيجة لذلك فان النظام المدرسي يغرس في نفس اغلب المتعلمين، الاحساس بالعجز والفشل بدلا ان يربي فيهم القدرة على التخيل والسؤال.ان المجال المدرسي بكل مكوناته يعيش حالة التوتر التي يعبرعنها التلاميذ في شكل اعتداءات واتلاف المرافق المدرسية،كما يعبر عنها المدرسون والاداريون بوسائل اخرى ترجع بالأساس الى خلل عام تعيشه المنظومة التربوية في مختلف مكوناتها. ومن هنا تدعو الحاجة الى صياغة رؤى ووضع استراتيجية جديدة لمواجهة قضايا التربية والتكوين بإرادة شديدة وحسن نية :

أ‌-      اصلاح نظام الامتحانات وأنسنه العلاقات التربوية وتخليق المجال الاجتماعي المدرسي؛

ب‌-   اشراك الممدرس في مواجهة هذه المشاكل وتحميله المسؤولية اتجاهها؛

ت‌-  اشراك جميع الفعاليات في محاربة هذه الظواهر من جمعيات الاباء واولياء الامور والمدرسين والاداريين؛

ث‌-   احداث هيئة الاخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين تنحصر مهمتها في رصد وتتبع كل الظواهر السلبية وايجاد الحلول التربوية لها؛

ج‌-   اعادة النظر في البرامج التكوينية للمدرسين سواء من الناحية البيداغوجية والنفسية والتربوية؛

ح‌-   وضع نصوص قانونية كفيلة بردع التلاميذ الذين يمارسون السلوك الانحرافي وكذلك الامر بالنسبة الى المدرسين والمدراء والطاقم الاداري التربوي؛

خ‌-   احداث برامج توعوية ووقائية داخل المدارس وخارجها؛

د‌-    ضرورة الارشاد والتوجيه وذلك بإحداث مراكز للاستماع بهدف المتابعة المستمرة للتلاميذ للتخفيف من توتراتهم ومعاناتهم النفسية؛

ذ‌-    تكثيف الانشطة التربوية والتثقيفية داخل المؤسسات التعليمية واشراك التلاميذ في وضعها؛

ر‌-    استخدام وسائل اعلامية على شكل دوريات وقصاصات وإذاعات محلية تساهم في تحقيق هذه الاهداف.

  • الفصل الرابع: نظريات في تفسير العنف والعدوان.

في تقديم هذا الفصل يتساءل ذ.اوزي عن دوافع السلوك المتسم بالعنف والعدوان.كما بين ان العلماء والباحثين المهتمين بظاهرة العنف والعدوان اختلفوا في تفسير اسبابه، وما اذا كان سلوكا فطريا في شخصية الانسان، يولد مزودا به، ام انه سلوك مكتسب يتعلمه في سياق حياته وتفاعله مع مختلف عوامل بيئته الاسرية وظروف حياته الاجتماعية التي يعيشها.

1-                    مقاربات نظرية في تفسير العنف والعدوان:

الواقع حسب الكاتب انه رغم تعدد النظريات والآراء التي يقدمها الباحثون والعلماء لتفسير سلوك العنف والعدوان،الا انه يمكن تصنيفها الى صنفين اساسيين :

         نظريات تفسر العنف والعدوان،بإرجاعه الى عوامل تعود الى الاستعدادات الوراثية للفرد.فهي تربط اسبابه بالشخص ذاته.

         نظريات تفسر العنف والعدوان،بإرجاعه الى عوامل خارجة عن الفرد، وقد تعود الى السياق المجتمعي الذي يعيش فيه.

2-                    التفسير العلمي للعدوانية:

حسب الكاتب فقد قام العالمان الهولنديان “هانس برونر” و”اكسندرابرايكفيلد” عام 1994 باكتشاف من خلال الدراسات العصبية لعائلة هولندية،انتقال سلوك عدواني متسم بنوع من العنف النمطي،وذلك عبر الجينات الوراثية من جيل الى جيل افراد العائلة.ولاحظا ان هذا السلوك يقتصر على الرجال في هذه الاسر دون النساء.ويرى العالم ”ولوس ” المختص في البيولوجيا العصبية،حسبالكاتب، ان الاحساس بالتهديد والتحريض لدى معظم افراد النوع،بما فيهم الانسان،يختلف باختلاف وظيفة كمية هرمون la testostérone الذي تفرزه الخصيتان.فهذا الهرمون يغير من استثارة الاستجابة العدوانية.

3-                    المقاربات التقليدية في تفسير العنف والاعتداء:

o      النظريات الميكانيكية في تفسير سلوك العنف والاعتداء او (الحرمان/العنف)

يبين الباحث هنا ان المفهوم الميكانيكي للاعتداءيستند الى تصور سبيرنطيقي للجهاز العصبي،على اعتبار ان مختلف التصرفات والسلوك ناتجة عن السياق الاجتماعي الذي تعمل فيه العضوية قبل صدور السلوك.ان جميع انواع السلوك بحسب هذا التصور ذو مصدر واحد،وهو التعلم الذي يحتفظ ببعض الاستجابات ويبعد بعضها الاخ، مما يؤدي الى تكوين العادات. وتبعا لهذا التفسير الذي يقدمه السلوكيون الجدد ( دولار- ميلر- دوب) اصحاب نظرية العنف المرتبط بالحرمان،فان ايقاف السلوك الذي يتجه نحو الاشباع يوقظ في العضوية سلوك العنف و الاعتداء، لأنه يجعلها تعيش حالة الحرمان.

o      نظرية التعلم الاجتماعي:

تقترح نموذجا لتفسير ليس السلوك العدواني فحسب، وانما ايضا غيره من السلوك. ان السيرورات  المستخدمة في تعلم العدوان مطابقة في جوهرها للسيرورات المستخدمة في تعلم معظم انواع السلوك الاجتماعي. ويرىباندورا((Bandoura حسب اوزي ان الحرمان يؤدي الى العدوان اذا كان الفرد قد اكتسب من قبل عادة الاستجابة بتلك الكيفية : فالسلوك العدواني كغيره من انواع السلوك الاجتماعي خاضع للتعلم.

o      النظرية الفيزيولوجية في تفسير سلوك العنف والعدوان :

يفسر الاتجاه الفيزيولوجي سلوك الانسان بالرجوع الى تشريح جسمه، لإبراز وظائف مختلف اعضائه.فجسم الانسان يتكون من جهازين يعملان على تحديد قدرة الفرد على ادراك بيئته والتكيف معها، وهما الجهاز العصبي،اما الجهاز الثاني فهو الغدد الصماء.ومن هنا فالاتجاهات الفيزيولوجية،حسب الكاتب، هي تفسر سلوك العنف والعدوان بإرجاعه الى احد العوامل التكوينية وليس الى البيئة التي يمكن ان تكسبه للشخص. وهناك العديد من الباحثين الذين يرجعون هذا السلوك الى عوامل فطرية، ومن المذاهب المفسرة هذه الفطرة :

         اتجاه لومبروزو : اذ يبين الكاتب ان هذا الباحث يرى في مؤلفه الشهير ” الانسان المجرم” ان الشخص العنيف والعدواني يولد بهذه الخاصية ولا يكتسبها في بيئته ” مجرم بالولادة ”.

         كروموزوم الاجرام : ذهبت بعض البحوث الى وجود علاقة بين المورثات او الكرموزومات التي لدى الشخص وبين سلوكه المتسم بالعنف او الجنوح او الجريمة .

o           النظريات السوسيو-معرفية في تفسير العدوان :

يرى اوزي هنا ان قصور النموذج الترابطي والفطري في تفسير السلوك العدواني،وكذا التقدم والتطور الذي ساعد على فهم السيرورات العاطفية والمعرفية قادت الباحثين المنظرين الى تفسير السلوك العدواني بالتفاعل الذي يتم بين السيرورات العاطفية والمعرفية.

    ويوضح الكاتب في هذا الصدد ان مختلف النتائج الراهنة،تبين بان تفسير السلوك العدواني بواسطة نظريات احادية البعد،لم يعد امرا  كافيا.فمختلف الباحثين يرون ضرورة وضع وقائع العنف والعدوان،خاصة لدى الاطفال والمراهقين،في سياقها الاجتماعي والتاريخي والثقافي لفهمها فهما جيدا.فقد تبين بوضوح بأن فهم وتفسير السلوك العدواني لا يمكن فصله عن السلوك السابق عليه، وعن نتائجه وسيروراته التي تتدخل في الشروط التي تحفز عليه وتعبر عنه.

  • النظرية البيولوجية – النفسية- الاجتماعية في تفسير العدوان

ترى النظرية البيولوجية -النفسية- الاجتماعية، ان آليات تعلم السلوك العدواني تتم وفق جملة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية المتفاعلة فيما بينها. فالباحثون الذين يتبنون هذه المقاربة، يرون بأن العوامل التكوينية (الجينية) المتعلقة بالهرمونات والاعصاب،تلعب دورا كبيرا في توجيه العنف وضبطه، غير ان طريقة الاستثارة ونمط تدخل هذه العوامل،يرتبط بالتعلم الاجتماعي وبالسياق الذي يتم خلاله التعبير عنه.

  • التحليل النفسي وتفسير ظاهرة العنف والعدوان

يبين المؤلف هنا ان مقاربة التحليل النفسي للعدوان تقوم على اعتباره نزعة فطرية غريزية لم تستطيع  الذاتاو الانا ضبطها والسيطرة عليها عن طريق التسامي او الاعلاء، واستبدال النزعة العدوانية، التي تعتبر طاقة بدائية وشهوانية  لا تقبلها قيم ومعايير المجتمع ودينه وحضارته، بسلوك مقبول يتفق مع منتظرات المجتمع وقيمه. ويصور اتجاه التحليل النفسي الجديد (المقاربة الفروويدية الجديدة) العنف والعدوان باعتبارهما،نتاج الصراعات الداخلية والمشاكل الانفعالية التي يعيشها الفرد،الى جانب عدم احساسه بالأمن والامان،والشعور بالنقض،وعدم التكيف مع محيطه الاجتماعي.

*باحث في علوم التربية

http://www.hassanlahia.com/عن موقع حسن اللحية 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.