مقال نقدي حول مجموعة قصصية للكاتب الزاكوري عبد العزيز بلفقير

0 1٬305

نظرة سديدة في مجموعة الأرض البعيدة

 

الأرض البعيدة

  • تـمهــيــــد

شهد القرن الواحد والعشرون ازدهارا وتطورا في الكتابة السردية عموما، والكتابة القصصية على وجه الخصوص، فبين الفينة والأخرى نشهد صدور رواية أو مجموعة قصصية، والشيء الذي يزيد في الأمر روعة وجمالا هو ظهور كُتَّاب ومبدعين صاعدين، وخاصة في منطقة الجنوب المغربي. ولعل هذه المجموعة التي بين أيدينا خير مثال على ما نقول،  فهي لكاتب صاعد من المبدعين الشباب، الذين وهبهم الله القدرة على التخيل والإبداع، هذا الكاتب هو ابن منطقة وأرض بعيدة جغرافيا قريبة حسيا وشعوريا إنه الكاتب الزاكوري الأصل والمَنْشَأ عبد العزيز بلفقير.

  1. الدراسة الخارجية للمؤلَّف :
  • تحليل الغلاف :

جمع الكاتب هذا المؤلف بين دفتين صفراوي اللون، ولعله اختار هذا اللون “الفاتح الصفرة”  تفاؤلا بمستقبل الأرض البعيدة (المجموعة القصصية من جهة، وأرض الولادة والمنشأ “زاكورة” من جهة ثانية)، وهما تتضمنان العديد من المعطيات.

فأما الواجهة فتشير إلى عنوان المجموعة بلون أسود كبير الحجم ومضغوط، للتركيز عليه، إضافة إلى اسم الكاتب بلون أسود لكنه أصغر حجما مقارنة بالعنوان، وعبارة “مجموعة قصصية” التي تؤكد للقارئ، وتقطع الشك باليقين، في ما يخص جنس المؤلَّف. أما وسط الواجهة فقد شغلته لوحة تشكيلية، على اعتبار أنّ الصورة تكتسي أهمية بالغة، إذ تُعَدُّ من المحفزات على استكشاف عوالم المجموعة القصصية، وهي لوحة من إبداع الفنان التشكيلي رضوان الحداوي، وهي تشير إلى امرأة غير واضحة الملامح.

وأما الخلفية فقد تضمنت معلومات عن الكاتب، ومقطع مقتبس من التقديم الذي أعده الكاتب والروائي كريم بلاد. كما تضمنت ثمن هذا المؤلف وهو زهيد مقارنة بمحتويات المؤلَّف.

  • وصف المحتوى (البناء المعماري):

تحتوي المجموعة القصصية “الأرض البعيدة” للكاتب عبد العزيز بلفقير على ثلاث وعشرين أقصوصة، وهي قصص تتراوح في حجمها بين الصفحتين والست صفحات، ونشير إلى أن الكاتب اِرتأى أن يمهد لمجموعته بتقديم للروائي كريم بلاد.

  1. دراسة تحليلية للمجموعة القصصية :
  • حضور زاكورة في الأرض البعيدة :

لاشك أن الذي يمر بسطور هذه المجموعة القصصية سيكتشف حضورا مقصودا أو غير مقصود للأرض والبيئة التي أنجبت ونشأ فيها الكاتب، تلك الأرض التي أثقلتها الجراح من كل النواحي، فهي تعاني من الفقر والتهميش والحرمان والجهل والأمية و… ولعل الكاتب استضمر كل هذه المعاناة في تلابيب وسطور بعض القصص في مجموعة الأرض البعيدة.

فإذا عدنا إلى القصة الأولى في المجموعة على سبيل المثال سنجد أن الكاتب يسلط فيها الضوء على الواقع المرير الذي تعيشه الفئات المهمشة في الجنوب الشرقي، وهو واقع كل ما يميزه هو الظلم والجور والاغتصاب المادي والفكري كما وقع للطاهر الذي سُلِبَتْ منه أرضه من طرف الحاج كبور، وكذا حياته عندما تَمَّ اغتياله في السجن.

ولم ينسى الكاتب الإشارة إلى الأحلام والآمال التي يرسمها أبناء زاكورة، من خلال القصة الثانية، ليعود بنا الكاتب مرّة أخرى إلى فضح الواقع المرير والمعاناة التي يعيشها أبناء زاكورة من خلال القصص الثالثة والرابعة والسابعة.

  • الظواهر الاجتماعية في الأرض البعيدة :

 يرصد الكاتب عبد العزيز بلفقير في مجموعته القصصية العديد من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمع المغربي، بصفة عامة وفي مدينة زاكورة على وجه الخصوص. ولعل أهم هذه الظواهر الاجتماعية التسول والزحف العمراني الذي شهدته مدينة زاكورة، علاوة على ظاهرة تقديس الأولياء والاستعانة بهم في العديد من الأمور وعلى رأسها الزواج، كما يتضح ذلك من خلال قصة “البحث عن عريس”، وظاهرة الفقر والبطالة اللتان جعلتا معظم الشباب غرباء في أوطانهم.

ونشير كذلك إلى أن الكاتب لم يغفل عن الإشارة إلى بعض الظواهر التي عرفت انتشارا على نطاق واسع في العالم، ومنها ظاهرة الهجرة السرية، والملاحظ أن أسباب هذه الهجرة تختلف بين البحث عن العمل، وقهر الأسرة وانتشار البطالة والفقر والتشرد، إضافة إلى ظاهرة الانتحار التي تكون بسبب الإحباط والفشل في مسايرة الواقع.

ونلمَس في بعض قصص المجموعة كذلك بعض الظواهر التي لها علاقة بالفساد الإداري، وغياب الضمير المهني لدى بعض الموظفين، وذلك انطلاقا من قصتي “الموظف الجديد” و”مدرسة بقايا معلم”.

ج. الروعة والتَّيْسِيرُ في مجموعة بلفقير :

إن قارئ مجموعة الكاتب عبد العزيز بلفقير المعنونة ب “الأرض البعيدة”، لابد وأن يفطن إلى أن الكاتب يمتلك مهارة الكتابة القصصية، حيث إنه تحكم في أسلوب جميع قصص المجموعة بالرغم من كثرتها، وقد مزج بين أسلوبي السرد والوصف في جل القصص، وأضاف إليهما أسلوب الحوار في بعضها.

لقد عبر الكاتب في “الأرض البعيدة” عن موقفه تجاه العديد من الظواهر المتفشية في المجتمع المغربي، ووَجَّهَ الكثير من الرسائل والتوجيهات، في قالب أدبي سردي مشوق يغري بالقراءة، لاسيما وأن الكاتب استعان بلغة عربية سليمة سلسة وبسيطة بعيدة عن التعقيد، بحيث يستطيع القارئ استيعابها من خلال القراءة الواحدة، ولا تكلف القارئ عناء العودة إلى قواميس ومعاجم اللغة.

  • خاتــــــــــــــمـة :

وصفوة القول إن مجموعة “الأرض البعيدة” لم تأتِ من باب الترف الفكري، ولكنها جاءت صرخة مدوية لما يجري من فساد واضطهاد وتهميش في المجتمع الزاكوري خصوصا، والمغربي عموما. وعلى سبيل الختام تجدر الإشارة إلى أننا لا ندعي بهذه الدراسة الإحاطة بكل خبايا مجموعة “الأرض البعيدة”، ولا نعتقد جزما أننا بلغنا سدرة المنتهى في تحليلها، فذلك أصعب ولو في كتاب كامل، ناهيك عن هذه الوريقات التي تعد على رؤوس الأصابع، خصوصا وأن كاتبها واعد ويحمل في جعبته الكثير، وإنما نأمل أن نكون بهذه الدراسة المتواضعة قد فتحنا الباب على مصراعيه للدارسين والنقاد المتخصصين، قصد إعطاء هذه المجموعة ما تستحق من دراسة وتحليل وتأويل. هذا إلى جانب أننا نطمح بهذه الدراسة إثارة شهية القراء وتشجيهم على قراءة هذه الباكورة اليانعة المقطوفة من مزرعة الكاتب الزاكوري عبد العزيز بلفقير.     

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.