هل الدين لله أم للدولة ؟

4 420

1ـ  تكييف المحكمة

الحدث :

شابان في مدينة زاكورة، وهي مدينة شبه صحرواية تقع في الجنوب الشرقي للمغرب ، تعرف درجة حرارة مرتفعة جدا صيفا، قد تصل احيانا إلى 50 درجة مئوية، وشديدة البرودة شتاء حيث تهبط درجة الحرارة إلى درجة واحدة او اثنتين …

هذان الشابان قضيا ساعات طويلة في العمل في سوق الخضر تحت حرارة بلغت 44 درجة مئوية ، حتى أنهكهما العطش فلم يعودا قادرين على التحمل ، أي أنهما بلغا الدرجة التي يقول عنها الحق سبحانه وتعالي :  ((لا يُكَلفُ الله نفسا إلا وُسْعَها)) ..

هذان الشابان بعد ان أرهقهما العطش، دخلا خيمة وشربا ماء، فرمقهما من رمقهما، وسارع إلى المناداة على الشرطة التي حضرت على عجل ـ وكأن الأمر بلغ من الخطورة مبلغا عظيما، فيه تهديد للأمن والنظام وتعريض لحياة المواطنين للخطر ـ واعتقلت على الفور الشابين، وأخذتهما إلى مفوضية الشرطة واحتفظت بهما لديها يومين كاملين (من 8 إلى 10 يونيو)، لتقدمهما بعد ذلك إلى النيابة العامة، التي كيفت لهما التهمة طبقا للفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، ثم أحالتهما على قضاء الحكم. حيث اقتنعت المحكمة بتوفر عناصر الإدانة وسلامة تكييف النيابة العامة للفعل المرتكب ، رغم أن الشابين صرحا أمامهما أنهما يصومان رمضان، ولكن العطش أرهقهما في ذلك اليوم القائظ والإنهاك الشديد في عمل شاق في ظروف قاسية.  فحكمت المحكمة عليهما بشهرين موقوفي التنفيذ، وبغرامة 500 درهم لكل واحد منهما.

مناقشة الحكم القضائي :

أولا : أن الفصل الجنائي 222 الذي توبع به الشابان، يقول :

«كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في رمضان ، في مكان عمومي دون عذر شرعي، يعاقب …. »

وهذان الشابان دخلا خيمة وشربا في داخلها. وهو ما ينتفي معه إفطارهما في مكان عمومي، لأن الخيمة كالبيت، مكان خاص لا يدخله إلا صاحبه، أو من له الإذن بدخوله. وقد كان للمحكمة ـ لو أرادت ـ ان تكيف التهمة على هذا الأساس؛ أي على انتفاء الإفطار في مكان عمومي، والذي هو شرط في اعتبار الفعل مجرما؛ إذ بانتفائه ينتفي التجريم.

 

ثانيا : يلاحظ أن الشابين لم يفطرا إلا بعد إجهاد شديد، أي أنهما أفطرا مضطرين حفاظا على حياتهما، والنفس أولى من الطاعة كما يقال. والله سبحانه وتعالى أجاز الإفطار لمن لم يطق الصيام، وفقا لقوله في سورة البقرة : ((لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)) ، وهذان الشابان لم يعد في وسعهما الاستمرار في الصوم، والله حسيبهما في ذلك، فإن فعلا خيرا فلهما ثوابه، وإن أثِـما فعليهما إثمهما. والله عز وجل وحده الكفيل بالجزاء على فعل العبادة الموجهة إليه، فيثيب على فعله أو يعاقب على تركه.

والحجة الشرعية الأخرى على ترخيص الله سبحانه لهذين الشابين بالشرب بعد أن بلغ بهما الجهد مبلغه، حتى أصبحا غير قادرين على التحمل، هي نهيه تعالى للإنسان عن الإضرار بنفسه، وعدم تعريضها للخطر، حيث قال في البقرة : (( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )) . ولا مشاحة في أن استمرار المنهك غير القادر على الصيام في صيامه هو إلقاء باليد إلى التهلكة، لأنه يعرض جسمه للجفاف وفقدان السوائل؛ مما يؤدي إلى فقدان الجسم للمعادن والأملاح الحيوية والهامة، وخاصة الصوديوم والكلورايد، وهو ما قد يترتب عنه فقدان الوعي وهبوط شديد في الدورة الدموية قد يسبب الوفاة.

ثالثا : أن الشابين تناولا ماء، ولم يتناولا طعاما؛ مما يفيد أنهما لا يقصدان الإفطار عنوة للتلذذ بالطعام؛ حيث شهوة النفس تتجه إلى الطعام وليس إلى الماء؛ سواء كان رغيفا او لحما أو سمكا أو فاكهة أو ما إلى ذلك مما يدخل في شهوة النفس إلى الطعام. وعلى هذا فشرب الماء وحده دون أكل شيء آخر فيه دليل على الحالة الحرجة التي وصل إليها الشابان.

رابعا : أن هذا الذي بلغ عنهما، لاشك أنه تلصص عليهما، وهو فعل لا أخلاقي، فضلا عن كونه مجرما في بعض التشريعات الدولية، ومنهي عنه في الإسلام ، بقوله تعالى في سورة الحجرات :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾

ومن هذا يتضح أن مسألة العبادة هي شأن خاص بين الله وعبده، ولا حق لأي بشر أن يتدخل فيه، وخاصة الصيام، لأن الله عز وجل خصص نفسه به في الحديث المشهور عن أبي هريرة ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) .  

فإذا كان الصيام لله، لأنه أمر تعـبُّـدي؛ فما دخل الدولة فيه؟

وحتى باعتبار القانون الوضعي للشأن التعبدي، والذي يتعارض مبدئيا مع أي منطق أو تشريع سليم؛ فإن ذلك الإفطار الذي أدانت المحكمة فاعليْه عليه، لا تتوافر فيه كل الأركان المجرمة له، وأهمها عدم وجود العذر الشرعي ، بينما أفطر الشابان خوفا على نفسيهما من الهلاك، وهو عذر شرعي بإجماع كل الفقهاء وأئمة المذاهب، بدون استثناء.

والركن الثاني هو الإفطار في مكان عمومي، وهو أيضا غير متوفر لأنهما شربا داخل خيمة ، وهي ليست مكانا عموميا.

الاستنتاج :

وبناء عليه ففي نظري أنه كان خليقا بالمحكمة أن تبرئ ذينك الشابين من تهمة الإفطار عمدا في رمضان لانتفاء الأركان المكونة للفعل المجرَّم.

4 تعليقات
  1. عمر بلمين يقول

    – فإذا كان الصيام لله، لأنه أمر تعـبُّـدي؛ فما دخل الدولة فيه؟

    – والركن الثاني هو الإفطار في مكان عمومي، وهو أيضا غير متوفر لأنهما شربا داخل خيمة ، وهي ليست مكانا عموميا.

    تحاليل عجيبة و اهتمام بالغ الاهمية بهذا الموضوع بالذات (دون غيره من المواضيع التي تؤرق بال الساكننة الزاكورية ليل تهار و لعقود من الزمن كمشكل الماء الصالح للشرب, مشكل التلوث, مشكل الاقصاء و التهميش وووو….
    وفي الاخير, عندما يحدث خطا (افتراضا), في تقدير المحكمة المغربية التي نكن لها كل التقدير والاحترام, و نعترف جميعا بجسامة المسئولية الملقات على عاتقها, (علما بان الحكم الصادر لا يمنع الشابان من اللجوء الى الاستئناف), امن اجل هذا تخصص المقالات الطويلة و العريضة لتضرب في عمق محاكمنا الشريفة و تقول بكل جرءة و بدون حياء: ” لانه أمر تعـبُّـدي؛ فما دخل الدولة فيه؟, وان خيمة السوق ليست مكانا عموميا وكان القارئ ليس مغربيا و لا يعرف ماهي خيمة السوق, اليس لدولتنا الحق ان تتدخل و هي التي على راسها امير المؤمنين؟

  2. قارئ يقول

    يا أخي عمر بلمين . ماذا تنتظر، وعلى من تتكل للكتابة عن (المواضيع التي تؤرق بال الساكننة الزاكورية ليل تهار و لعقود من الزمن كمشكل الماء الصالح للشرب, مشكل التلوث, مشكل الاقصاء و التهميش وووو….).
    إنك ما دمت تعاني من هذه المشاكل، فارفع صوتك واصدح بها وحرك قلمك مطالبا بإصلاحها. أم انك تنتظر ان يقوم مثل هذا الكاتب المسكين ، ويخرج لك محاميا أو يطلب لك كاتبا يكتب لك وينشر باسمك عما تعانيه من ( مشاكل الماء والتلوث والإقصاء والتهميش وووو.) وأنت جالس في بيتك واضعا رجلا على رجل، تدخن سيجارتك وترشف قهوتك وتتفرج على أفلامك المفضلة .
    سبحان الله.

  3. عمر بلمين يقول

    ايها ((((القارئ))))), اقول لو كنت فعلا كما تزعم قارئ, لما اطلعت على ما يفعله عمر بلمين, لصالح هذه المنطقة و ساكنها

  4. عمر بلمين يقول

    لم انتقد النص من اجل الانتقاد, لكن اقول فقط بانه لا يختلف اثنان على ان الصيام وكل الشعائر الدينية هي اختيارية وليست اجبارية الا على الذي اختار الدين الاسلامي منهجا وسلوكا, وعليه فمن البديهي ان المحكمة لم تعاقب الفاعل على فعله, لكنها عاقبته عن طريقة الفعل والتي تتجاوز الحرية الفردية (وهذا ما لم يتطرق اليه المقال بالتفصيل, خاصة و ان هناك الشرطة التي حضرت الى عين المكان, فهلا اطلعنا الكاتب عن تقرير الشرطة, و الذي لا محال سيكون هو منبع الحكم,

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.