حتى لا ننسى التركة السابقة

1 288

ذ. رشيد رملي

في مشاهد هستيرية غريبة بدأنا نسمع ومنذ اليوم الأول لتنصيب هذه الحكومة نعيق و صيحات أصوات نغصت على المغاربة حياتهم لعقود ، امتصت أرزاقهم ، ونهبت ثرواتهم في المضاربات و الصولات والجولات ، و ظلت تتعامل مع أموال الشعب ومؤسساته و كأنها ضيعات خاصة لها، تتسربل فيها كيف تشاء دون حساب و لا عقاب ، ورثت للأبناء و الأصهار و الأحفاد ، و هربت الأموال إلى أبناك الأسياد في أروبا ، و عطلت عجلات الاقتصاد الوطني بالابتزاز و الامتيازات الطائشة و التملص من الضرائب ، و باعت مؤسسات الدولة في سوق الأمم بأبخص الأثمان، ومعها باعت القرار الوطني و فضت بكرة السيادة الوطنية و مرغت عذريتها في المحافل الدولية ، ولكم أن تعدوا و تتذكروا – خلال العشر سنوات الماضية- كم مؤسسة خصخصت و أن تنظروا إلى حجم الديون التي تراكمت ، وقيمة العجز في الميزان التجاري المقدرة ب 6.1 % و على الوضعية الكارثية لصندوقي التقاعد و المقاصة اللذين كانا على شافة الانهيار ، و على حجم البطالة التي قدرت ب 34.5% في الفئة العمرية من 15 سنة إلى 24 سنة ، وإلى الفقر الذي بلغت نسبته 5 ملايين في سنة 2000و 2001 ، وإلى وضعية التعليم التي كشفها تقرير المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 حيث بلغت نسبة الهدر 3أطفال من أصل 4 يغادرون المدرسة دون سن الباكالوريا ، و زاد من تعريتها تقرير البنك الدولي ( الطريق غير المسلوك سنة 2007) الذي احتل فيه المغرب رتبا متدنية قريبا من دول مثل الصومال و جيبوتي ، هذا مع العلم أن ميزانيته وصلت سنة 2010 إلى حوالي 43 مليار درهم (مخصصة لتنزيل البرنامج الاستعجالي) ، و إلى نسبة الأمية التي وصلت إلى 12.8 مليون ، و إلى الصحة التي وصل فيها عدد وفيات الأطفال دون الخامسة 47 طفلا من أصل 1000 ووفيات الأمهات أثناء الولادة إلى 227 حالة من أصل 100.000، و إلى مؤشرات التنمية البشرية التي نزل ترتيب المغرب فيها إلى الرتبة 126 ( في عز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) ، و إلى حجم الفساد الذي رتب فيه المغرب في الرتبة 78 و إلى حجم المال العام المنهوب بالملايير المغلظة (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وحده :115مليار درهم).
تلكم هي بعض آثار القوم و تركتهم الثقيلة التي يصاب الإنسان بالقرف و الخجل و هو يطالعها و يعتصر فؤاده أمام مشهد كرنفالي كانت فيه البلاد أشبه بفريسة نهشت جثتها و تركت لا هي بالكاسية و لا هي بالعارية . هو الواقع نطقت به الأرقام و التقارير الرسمية (أنظر تقرير الخمسينية و تقارير ترانسبارينسي سنة 2010 و تقارير البنك الدولي حول المغرب 2007و 2008 ؟، و تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2009 و 2010 ) ، و لانزيد على ذلك شيئا . وبعد كل هذا السلب و النهب وهذه الأداءات البئيسة و الإخفاقات المدوية و الهروب و التخفي من المساءلة والمحاسبة أمام محاكم الشعب ، يخرج علينا فريق و كأنه رفع راية المغرب في الفضاء ، وبوأ الجامعات المغربية رتب الصدارة في معارك العلم و المعرفة ، و حسن صورة البلاد في صالة الأمم من أدران الفساد و القهر و التحكم و الاستبداد …ليس هذا فحسب بل طلع علينا مدججا بماكينته الإعلامية الكاذبة و بعض حوارييه من أهل الفن و التحليل السياسوي الذين كانوا إلى عهد قريب لا يملكون فتح أفواههم إلا عند طبيب الأسنان أو عند تلقي التعليمات من أسيادهم و النيل من عطاياهم السخية ، خرجوا ليذرفوا دموع التماسيح على المغرب و على الاقتصاد و الديمقراطية و الحرية و العدالة و حقوق الإنسان ، وهم من لبد سماء هذا الوطن بغيوم أهوائهم و شجع نزواتهم ، فقالوا عن الحكومة أنها عطلت العاطلين ،و فقرت الفقراء ،و قست على الباطرونا بالضرائب و اعتدت على المضربين ، و فضحت الحالات الاجتماعية في لوائح المستفيدين من الرخص، و غطت على المفسدين ، و ضيعت التعليم ، و خربت الصحة و..و..
لقد انطلقت حناجرهم تجمع و تلملم خطايا و زلات الخمسين سنة الماضية -بصغائرها وكبائرها -من التدبير السيئ و الأخطاء المتراكمة ليمسحوها في اسفنج هذه الحكومة و في عباءة بنكيران الذي لم تمر حتى سنة على توليه المسؤولية .
إنه لمن العار على قوم يحسبون أنفسهم على أهل التقدم و الفكر والعلم و الحداثة و السياسة أن يتعاطوا مع هذه اللحظة التاريخية الحساسة بهذا الركام من الحقد و بهذه العقاقير الكثيفة من الدسائس و التشويه في هذا الحيز الزمني القصير جدا. عار و ألف عار على من كان بالأمس ينظر للديمقراطية و النضال و يدبلج فيها المقالات تلو المقالات ، و يعطي فيها المواعظ للسامعين ، بل ربما يكتب فيها التمائم و الوصفات للمريدين. أن يحاكم تجربة في مهدها بأكاذيب و إشاعات فارغة من المعنى و المضمون، و أن يحاسب الحكومة على الحسم في ملفات شائكة شيبت أمما و دولا عريقة في الديمقراطية، كمثل معضلة الفساد و التعليم و الصحة و المقاصة و التقاعد و يطالبها بالنتيجة في عشرة أشهر.
مؤسف حقا أن ينحدر النقاش السياسي إلى هذا المستوى المتدني غير آبه بخصوصية المرحلة التي يمر منها البلد سياسيا و اقتصاديا، و لا بطبيعة الظرفية الاقتصادية الصعبة التي لا تحابي أحدا ، و لا باستثنائية وحساسية التجربة المغربية التي تعد مكسبا للجميع ، بنجاحها ينجح المغرب كله و بفشلها لا قدر الله تفتح أبوابه على المجهول .
إن كل وطني حر و أصيل يعشق هذا الوطن و يدين له بالوفاء و الفداء لا بد له أن يطرح هذا السؤال على نفسه وهو: ماذا لو سقطت هذه الحكومة ؟ماذا لو فشل المغرب في هذا الرهان؟ رهان الديمقراطية ؟
و عند الإجابة يعز المرء أو يهان .

تعليق 1
  1. رزاقي يقول

    لافض فوك السي رشيد أحسنت والله…
    بغعل الحقد الدفين والعمى الإيديولوجي انبرى تسعة رهط للتصدي لهذه الحكومة ولم يعد لها هم سوى طعنها من الخلف وتبخيس خطواتها الإصلاحية.
    إن الله لا يصلح عمل المفسدين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.