هل حقا، المغرب بلد مأزوم ؟؟

0 294
سعيـد بوخليـط - باحث مغربي
سعيـد بوخليـط – باحث مغربي

عند تنصيب حكومة السيد بن كيران،استشرفت جل التحليلات ،حقيقة أن الوضع المغربي الذي حشر نفسه في هكذا زاوية ضيقة،نظرا لسوء اختياراته منذ البداية،ربما يلعب بالورقة الأخيرة،برهانه على الطرف، الذي بقي قابعا داخل غرفة الانتظار،يترقب فرصة، كي يختبر فعليا على أرض الواقع.

لقد جرب حقلنا السياسي ،مختلف ممارسات الأطياف الحزبية،مع تحفظ بكل المعاني،على التوصيف،لأن الزمرة التي أبقاها الحكم إلى جواره،بعد تقتير وغربلة،مؤثثا بها الحقل حسب الحاجة ومقتضيات الظرفية،لم تكن تعبيرا صادقا عن المرجعيات، التي بقيت تلوح بها، إعلاميا وعبر أدبياتها. إذن سواء، ليبراليون،محافظون،اشتراكيون،واليوم أصوليون “متدينون”،فقد أثبت اقتحامهم المشهد،تلك العبارة الشهيرة : “ليس في القنافذ أملس” .

تفريغ للمضمون السياسي من محتواه،واستحالته مجرد قطعة دومينو،يتم توضيب ديكوره بين كل عرض مسرحي،حسب دواعي وسياقات،مع تبئير ذلك، باستشراف استباقي للحس الأمني الاستخباراتي،الذي قوض صميميا،على الأقل بين طيات الجسم الرسمي، الروافد الخصبة التي تبقي العقل السياسي،خلاقا ومبدعا،ومن خلاله البناء الديمقراطي للمجتمع.

مسار،وسم الحس السياسي بالابتذال والتبلد، بل التفاهة والعدمية.فإذا، كانت ممارسة من هذا النوع لدى الأمم المتمدنة،تجسد تدبيرا سجاليا بكل المقاييس،وفق جدليتي الصواب والخطأ،بواسطة آليات ملموسة،ومن خلال مؤسسات،وهو معناها الأصيل.فإن السياسة في حالتنا،قد أضحت جل الدلالات المختلة ،إلا الدلالة الأم.صارت،باختصار ،ثقافة رائدة في سبيل  تكريس الوعي الزائف،والأدهى بقفازات حريرية.

نتيجة لظروف هبة الربيع العربي المباغتة، وعلى غرار الموضة العامة المحتفية بالإسلامي،ثم عبر بوابة اقتراع ،حدس الجميع نتائجه قبلا،جاءت الحكومة الحالية إلى إدارات الرباط .حكومة،أبدت منذ الساعات الأولى،بتآلفها المفتقد لأبسط ألفبائيات المنطق -إن حظيت السياسة المغربية بمنطق ما-أن الأمر ليس جديا بالمرة،ولن يتجاوز كونه مجرد خلطة سريعة،تحتم تقديمها إلى الرأي العام،على غرار جل سابقاتها،باستثناء فريق المرحوم الأستاذ عبد الله إبراهيم نهاية الخمسينات،مادامت أزرار الفعل الحقيقية،ستبقى كالمعتاد طي الكتمان.

منذ بداية،تبلور التوجهات العامة لهذه الحكومة ،على الأقل صوتيا انطلاقا من الخرجات الإعلامية لرئيسها،وكذا بعض “الصقور الأشاوس” لوزاراته،الذين يلقون الكلام على عواهنه. أفذاذ،ممارسات : “أسد علي، و في  الحروب نعامة “.

 تزايدت أسهم الانتقادات الشعبية، صوب الضعف الكبير، للأداء والمنجز، قياسا للشعارات والمرجعية والظرفية.الجواب،لم يكن فعلا مثلما ينبغي، أو الرحيل  في حالة العجز وفسح المجال لآخرين،بل دائما لغة متعنتة  جاهزة،ومعلبة ،اختزلت إلى إشارتين : 

-أن المدة الزمانية،غير كافية. بالتالي، قد يحتاجون إلى عمرالنبي نوح،كي يحققوا لنا مستوى معقولا نسبيا من الحياة، الجديرة بمفهومها ،قبل أن نستحقها نحن البشر،داخل بلد زاخر بشتى أنواع الثروات والخيرات ما ظهر منها وما بطن.أظن،بأننا لانطلب منهم إقامة محطات فضائية،نصعد بها نحو القمرللسياحة مثلا، مما يستلزم علماء مهرة في تخصصات دقيقة وميزانيات مالية هائلة.لكن للتذكير،ونحن في القرن الواحد والعشرين،لازلنا نحاول تلمس حدود العناصر الكونية  الأولية الأربعة،التي اشتغل عليها فلاسفة اليونان قبل مجيء المسيح بآلاف السنين.أقصد :أولا، “الأرض” (سكن لائق،يستجيب لأبسط شروط الكرامة الإنسانية،وليس مقابر جماعية).ثانيا،”الهواء”(يشعر كل واحد منا،بانتمائه روحيا إلى هذا الوطن،وليس سينمائيا،لأنه يتسع لأحلامه ويستنشق داخله نسائم الحرية).ثالثا،”الماء”،(أن ينعم الكائن الآدمي بجرعة ماء صالحة للشرب،قبل حفر الغولف). رابعا،”النار”(يعني بلغتكم الانتخابية،شرعية موقد داخل كل بيت،بحيث لايدفع الفقر والإملاق،أغلب نسائنا كي يزلن ملابسهن بهدف الظفر بلقمة،وأطفالنا الذين تركوا مقاعد الدراسة كي يحاكموا كل صباح بجماجمهم الصغيرة ،ظلم القمامة)…   .

إذن،الماء والأرض والهواء والنار،بمثابة حقوق فطرية،لا تتطلب بأي وجه من الوجوه،برنامجا سياسيا خارقا،بل، قليلا من تخيل أولياتها.

-المبرر الآخر، الجامع المانع،الذي تستند عليه الحكومة بأريحية وصفاء سريرة،يتمثل في تحججها بتيار جارف اسمه أزمة عالمية ،ضربت مختلف البقاع،السويد كالمغرب،بالتالي ماعلينا غير الاستعانة بالصبر والصلاة،ومزيد من شد الأحزمة حتى نعبر العاصفة بسلام ، ثم نستعيد بعدها رخاءنا المجتمعي،الذي تمتعنا به سابقا !! .الالتجاء،إلى خطاب من هذا النوع،يستغبي الذكاء ويضحك على الذقون،يذكرني بكاريكاتورية تلك الصورة التي تسخر من قتل ذبابة بمدفع عملاق،فشماعة الأزمة مرفوضة،هنا تماما للتفسير البسيط التالي :إذا،ظلت المواقف العملية، معيارا حاسما،قصد الحكم على جدارة النخبة السياسية،فالفيصل الجوهري أيضا بين حكومة جيدة وأخرى سيئة،يكمن في مدى حدود موهبتها على تليين كوابح الأزمات،وتقديم شعبها المخارج لكل المداخل.لماذا؟لأنها،تضم-المأمول- أهم العقول التي أنجبها البلد.نفترض هنا طبعا،مستوى رائدا،فيما يتعلق بنزاهة العملية الديمقراطية.

دور  كل حكومة في الدنيا،يبتغي أولا وأخيرا،مواجهة الأزمات وليس شيئا ثانيا.بهذا،يتحدد نجاحها أو فشلها،ومن ثمة استمرار أطرافها في إنتاج ثقافة سياسية،أو انسحابهم.

لكن،حتى مع تسليمنا بالتأويل الوارد أعلاه،فهل يتماسك حقا حديث الأزمة، حين نسقطه على حالنا؟ لن أبالغ،إذا أجزمت،بأن الأزمة في المغرب قضية مفتعلة ،ولا تكتسي بالمرة على الأقل انسجاما مع البناء الاجتماعي القائم،بعدا  يعلل تبرير سياسة للتقشف.

سند الأزمة،بحمولاته العلمية الوضعية،يسلم ضمنيا بتحققات ثلاث : 1-منظومة ديمقراطية،شفافة  شكلا ومضمونا. 2 –اقتصاد مهيكل،بكل ما يتضمنه المفهوم من دلالة في تفاصيله الصغرى والكبرى،  يتطور وفق براديمات معقلنة رياضيا،في إطار جداول مخططات ومؤشرات وأرقام واضحة.  3-مؤسسات مجتمعية،قائمة الذات واضحة المعالم،تؤثر وتتأثر،بتمطط أو انكماش البيانات الاقتصادية،المحكومة أكسيوماتيكيا بمقدمات نمو، قد يكون سريعا أو بطيئا،حسب مستويات الاستثمار،إلخ. فالمتواليات علائقية وفق معادلات مضبوطة،الواحدة تستتبع الثانية،إيجابا أوسلبا.

بلغة ثانية،معطى الأزمة الوارد باستمرار،يشكل مكونا تركيبيا ضمن بنية اقتصادية،تقتضي اشتغالا مستقلا فعالا،للسلط التشريعية والتنفيذية والقضائية،ثم تكامل الاقتصادي والمجتمعي،على أساس التوزيع العادل للثروة والتوازن الطبقي.

فقط ،إذا تجرأت الحكومة  ،على مجابهة الملفات الكبرى المتعلقة ب : 1-الالتفات بكل صراحة نحو الطبقة العليا، من أجل وقف نزيف المال العام مع الكشف عن الصناديق السوداء. 2-فرض ضريبة على الثروة . 3-التقليص من الأجور الفلكية،التي لاتوجد حتى في أمريكا. 4-المبادرة إلى إصلاح ضريبي وتفعيله عمليا5 .–محاكمة اللوبيات والمافيات6.- تحريك المساطير القانونية،في أفق استعادة الأموال المنهوبة. 7-إجمالا ،تحقيق العدالة الاجتماعية.

آنذاك يحق لنا،تصديقكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.