تهاليل الأسحار في رمضان..متن على مقامات مغربية أصيلة

0 78

تحظى تهاليل الأسحار خلال شهر رمضان الكريم بمكانة خاصة في وجدان المغاربة، لكونها تضفي أجواء روحانية فريدة، تعكس تعلقهم العميق بتراثهم الأصيل.

و تأتي التهاليل على شكل متن و نصوص نظمت على مقامات مغربية أصيلة، تنطوي على تفرد و خصوصية مغربيين.

و تبدأ التهاليل قبل أذان الفجر إيذانا بحلول وقت قيام الليل و إقتراب السحور في رمضان إستعدادا لصلاة الفجر، حيث يستهل المهلل أداءه بتسبيح الله و حمده و الثناء عليه، و يسترسل في مناجاته والصلاة على أشرف خلقه، و الدعاء.

و من الصوامع ذات المعمار المغربي البهي، تتناهى إلى أسماع المصلين قبل إنبلاج الفجر، أصوات شجية، تخشع لها الأفئدة، تصدح بالتهليل و تسبح باسم بديع السموات و الأرض.

و حسب أستاذ التعليم العالي في الدراسات الإسلامية بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، رشيد ناصري، فإن تاريخ التهليل بالمغرب يمتد إلى عدة قرون، مبرزا أنه “تقليد ديني متأصل” في المملكة يختلف عن الأذان، و قد جرى توارثه بين الأجيال.

و أبرز، في تصريح للصحافة، الوظائف المتعددة للتهليل، و المتمثلة في تنبيه الناس للإستعداد لصلاة الفجر و تناول السحور، و شحذ الهمم للصلاة و درء التكاسل.

كما كان يسمى قديما، يضيف السيد ناصري، “مؤنس المرضى”، نظرا لكون تهاليله يستأنس بها المرضى و تخفف عنهم و تشعرهم بقرب نهاية الليل و قرب حلول الصباح حتى تستكين أنفسهم.

و أبرز أن المهلل يتنقل في أدائه بين المقامات الصوتية المختلفة، مسجلا تنوع صيغ التهليل و تعدد مقاماتها الصوتية التي تعتمد في الغالب على مقامات المد و الإسترسال الصوتي.

و تعكف وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، على العناية بالتهليل و صونه بإعتباره تراثا مغربيا أصيلا، إذ عمدت منذ عام 2016 إلى تنظيم مسابقة جائزة محمد السادس للأذان و التهليل سنويا و ذلك خلال الأسبوع الأول من كل شهر شعبان، من أجل مكافأة المؤذنين المهللين.

و تجري أطوار المسابقة بين متسابقين مؤذنين مهللين يمثلون الجهات الإثنى عشر للمملكة، يتنافسون فيها ضمن جائزتين إحداهما تكريمية تمنح لمكافأة القيمين الدينيين المكلفين بمهمة الأذان و التهليل المشهود لهم بالتفاني في العمل و إتقان أداء المهمة بالصيغة المغربية، و الأخرى تقديرية تمنح للقيمين الدينيين الذين أثبتوا إلمامهم بالضوابط المتعلقة بالأذان و التهليل و تميزهم في أداء الأذان و التهليل طبق الصيغة المغربية.

و في هذا الصدد، أبرز رئيس اللجنة الوطنية لمسابقة جائزة محمد السادس للأذان و التهليل في دورتها التاسعة، محمد التهامي الحراق، أهمية هذه المسابقة التي تعكس العناية بالتهليل، و تشجع الشباب على حمل مشعل أجدادهم في الأذان و التهليل وفق الأساليب الجمالية الروحية المغربية العريقة، مضيفا أنها تبرز أصالة المغرب و تميزه في نشر قيم الوحدة و التضامن و يتجلى ذلك في مضامين متون التهليل.

و أضاف، في تصريح مماثل، أن التهليل يتميز بخصوصية في المغرب على مستوى متونه و طرق أدائه، موضحا أن المهللين ينوعون في نصوص التهليل بين المواعظ و المناجيات و الأدعية و الصلوات على النبي صلى الله عليه و سلم، فضلا عن التنويع في طرق الأداء بإستعمال خاشع لأنغام الطبوع المغربية الأندلسية و كذا للأنغام المغربية الأمازيغية و الحسانية.

و أوضح السيد التهامي الحراق، أن خصوصية التهليل وفق الصيغة المغربية، تكمن أيضا في كونه يؤدى إما فرديا و هو الأكثر شيوعا أو جماعيا مثلما هو الحال في تلاوة قصيدة بردة شرف الدين البوصيري بصومعة المسجد الأعظم بالرباط قبيل الفجر خلال شهر رمضان المبارك، لافتا إلى أن المغاربة طالما اعتنوا بالتهليل و جعلوا له أوقافا لما له من فضائل و لوظائفه الروحية و النفسية و الإجتماعية.

بدورها قالت السيدة فاطمة، التي تقطن بالقرب من أحد المساجد بمدينة كلميم، إنها درجت على الإستماع إلى التهليل بشكل خاص في شهر رمضان، و لم تعد تعتمد على ضبط المنبه لتستيقظ في وقت السحور، بل بات توقظها متن التهليل على مقامات مغربية، تنادي “يا عباد الله قوموا لا تناموا، هذا وقت الخير، قوموا تغنموا”.

و أبرزت، في تصريح مماثل، أن سماع هذه التهاليل يبعث في نفسها السكينة و يشيع الطمأنينة، و يجعل لسانها يلهج بالذكر و الدعاء في تناغم مع صوت المهلل، مسجلة أن الثلث الأخير من الليل الذي يطبعه الهدوء تضفي عليه هذه التهاليل أجواء تفيض روحانية.

و قد لا يتأتى للقاطنين بعيدا عن المساجد، سماع تهاليل الفجر بشكل واضح، لذلك يختار بعضهم الإستماع إليها بالصيغة المغربية خاصة عبر أثير أمواج الإذاعة، بينما يختار آخرون إستعمال الأنترنيت.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.