المدرسة المغربية بين المسارين اليومي والأنطولوجي

0 377

حينما يعاد طرح، إشكال مسار المدرسة المغربية، وفق حيثيات الظرفية الآنية والمآلات المتلاحقة، فالوجه الخفي للاستفسار المضمر، بل المسكوت عنه قصدا، يلطمنا جميعا بالصرخة التالية: لماذا تصلح حاليا مدرستنا؟ماهو مبرر وجودها؟لماذا،هي كائنة أصلا؟ مادام أن كل المجموعات الإنسانية،أدركت علم اليقين،أن حياتها واندثارها،مرتبطان جديا بنوعية السند المعنوي والقيمي، الذي تكرسه مختبرات مدرستها.
أعتقد، بإمكانية ثلاثة أجوبة متداولة للسؤال المطروح أعلاه :
1-المدرسة المغربية،من خلال منظومتها المعرفية والتدبيرية،كما تتبلور في صيغتها المعطاة،لا تنتج إلا عبثا وإهدارا للزمان والمكان، وتسطيحا للأجيال.مدرسة،في حاجة فقط كي تكتمل الصورة نهائيا،إلى إقامة صلاة الجنازة عليها،ثم مواراتها التراب رسميا،لأنها أضاعت مهمتها الأولى والأخيرة،المتمثلة في استدراج الفرد نحو سبل الكمال،و بالمجتمع صوب الأفضل.الرافض لهذا الإقرار،ماعليه سوى أن يزور أقرب مدرسة مجاورة لبيته،كي يعاين عن كثب نوعية اللغط السائد داخل الفصول الدراسية،ثم مستوى هواجس المدرس والتلميذ على حد سواء.
2-رأي ثان،يجزم بأنه حتى لو كانت وضعية مدرستنا مزرية ،لاتفرح عدوا،فلا يجوز أن نغرز بين ثنايا جسدها حمولة كل المشرط ،على الرغم من كل شيء،لأنها تجسد جانبا كبيرا من الحقوق المدنية المكتسبة،ناضل واستشهد من أجلها أعداد ليست بالهينة،بين صفوف الشعب المغربي،وقد كانت المدرسة وستبقى،بوتقة الصراع الإيديولوجي،بل ومركز قوة وموطن سيادة،تتأرجح بوصلته بين من يملكون زمام السلطة ويديرونها ثم المجردين منها.هكذا،ينتهي أصحاب هذا الاتجاه إلى ضرورة أن نفصل مطلقا،لحظة التأويل،بين المدرسة العمومية والخصوصية.فالأخيرة ،تعتبر حصيلة وضع طبقي مختل،لصالح أوليغارشية فئوية،تكد من أجل توجيه المجتمع صوب مناحي تخدم فكريا مصالحهم الاقتصادية الضيقة،من هنا برامجهم لتبخيس المدرسة العمومية،التي شكل مشروعها لسنوات طويلة،صخرة تتحطم فوقها مختلف مخططات التبضيع والتضبيع.لذا،حينما نفتتح جلسة المحاكمة،فينبغي مقاربة هذا الموضوع الدقيق برؤية ثاقبة تفصل بين المعرفي والأيديولوجي،الحقيقي والديماغوجي. نعم،تعليمنا يتآكل ،لأن المجتمع السياسي لم يأخذ منذ البداية وجهته السليمة.
3-الموقف الثالث ،ينزع نزوعا رسميا نمطيا،انسجاما مع قاعدته الشهيرة :كل شيء وجب كما يجب،فوضعنا أحلى من العسل،وأننا أسعد جماعة على وجه البسيطة،لاينقصنا سوى أن يستغرقنا النوم في العسل.أصحاب التصور،يظنون أنفسهم أكثر البشر فطنة وإحاطة بحقائق الكون،ما ظهر منها وما بطن،بالتالي لايترددون في وسم دعاة الرأي الأول بأوصاف من قبيل العدميين والظلاميين الفوضويين الذين لايرون للصبح شمسا. أما الاتجاه الثاني،فهم أيضا في نظرهم مجرد طوباويين حالمين، افتقدوا حس التطور،لأنهم لازالوا حبيسي أطروحات أجواء الحرب الباردة !!.هكذا،لا يوجد أفضل مما هو كائن؟.
إجمالا،عندما انهزم العرب في حرب الستة أيام،صاغ موشي ديان عبارته الشهيرة :((العرب لا يقرؤون،وإن قرأوا لايفهمون، وإذا فهموا لايفعلون)). لا أعلم حقيقة،ماسر توارد القولة إلى ذهني،محاولا تقريب سياق الوضعية الآنية التي ننتجها داخل فصول المدرسة المغربية،فالتلاميذ في عمومهم لم يعودوا مستعدين بتاتا، لمكابدة مدارج التعلم، وإن أرغموا لداع من الدواعي على الفعل،فلا يتبينون جديا القصد،وحتى إن تحقق هكذا سعي،فلا يكترثون في النهاية.مما ينحو بالعملية التعليمية،داخل حلقة مفرغة أساسها كيف نعيد إقامة قيمة المدرسة،في قلب مخيلة المتعلم؟بالتالي، إرجاع المدرسة إلى قلب المحيط المجتمعي،غير هذا،فمدرستنا حقا تتهاوى تراجيديا على طريقة سفينة التيتانيك، وسط لج بلا عمق، أمام بصر الكل.
بمعنى آخر،الولع بالمدرسة والشغف بها،كمدخل سيكولوجي أساسي للإقبال على التعلم،لم يعد حاضرا بقوة الأجيال السابقة،فحتى الدافع الاقتصادي الذي شكل خلال سنوات عديدة حافزا لدى المتمدرسين من أجل الارتقاء الاجتماعي،أضحى اليوم مجرد وهم، مادام أن الاكتواء بنار العطالة،يزداد لفحه الحارق كلما زاد مسارك في أسلاك التعليم.ماالعمل إذن؟
الحل الصحيح،الكل يعرفه لكن لاأحد يريده بكيفيته الأصيلة،لأنه يشبه إدخال الأيادي في عش الدبابير،أو يُتوخى من قبل الأطراف بطريقتهم الخاصة حتى لاتمس مصالحهم وامتيازاتهم،المرتبطة بازدياد الفجوة واتساعها اتساعا هائلا بين العقل والواقع، التفكير والتدبير،المدرسة والمجتمع،المواطنة وتحديث البنيات السوسيوثقافية. ضدا على هذا الأفق،يتم الإبقاء على رتوشات واهية،تخوض فقط في قضايا محض شكلية وسطحية..
سؤالان مصيريان،يحاصران هذا الموضوع،سيقضان باستمرار مضاجع مختلف كل مكونات المجتمع المغربي،من القمة إلى القاعدة:
1-سؤال الوجود،ماذا نريد من هذه المدرسة؟
2-سؤال الماهية،أي مستوى علمي نتوخاه حقا لنتاج هذه المدرسة؟
يشيرالتساؤل الأول،إلى أن كل الأطراف فقدت وجهتها:الدولة مصابة على الدوام بحساسية مرضية مفرطة اتجاه المدرسة،لأسباب سياسية معلومة للجميع.المدرسون والأطر التربوية،ربما لم يعثر أغلبهم للاسترزاق وتدبر المعاش،عن وظيفة التدريس بديلا،بينما القلوب فقد كلّت.أما التلاميذ ببساطة،فقد صارت المدرسة بالنسبة إليهم،مجرد رتابة ومضيعة للوقت أو بالأحرى مجرد مؤسسة قديمة أورثها لهم الأسلاف دون وصية سابقة.دليلهم، أن المدرسة عندنا لا تغير الرؤوس والنفوس،فأن تتعلم أو لاتتعلم الأمر سيان في هذا البلد !،بما أن الحروب البدائية بين مكونات “النخبة المتعلمة” حول المناصب والمنافع المادية،يبعث حقيقة على الاشمئزاز والتأفف من الوضع الذي انحدرت إليه الفئة العاقلة.
التلاميذ اليوم،يتفكهون بجلسات البرلمان ومشاحنات الوزراء وحكايا زعماء السياسة،ويضحكون على لغتهم الرديئة وضحالة فكرهم وسلوكاتهم المشينة،متسائلين بنوع من الاستغراب،كيف تتطورمدرستنا ومجتمعنا بنموذج موضوعي لايحترم أدنى ألفبائيات العقل، يعممه هؤلاء المتعلمون،عبر تلك المواقع الطليعية؟.ثم يجيبون بسرعة،إذا كان السر كذلك،فيجدر بنا البقاء جاهلين كي نتصالح مع ذواتنا والسياق العام،ولا نصاب بالسأم !! .
إذن،كيف البدء وأين المنتهى:المدرسة،أم الفضاء المجتمعي العام؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.