كيف مر شهر رمضان بهذه السرعة ؟ إليك التفسيرات العلمية و الدينية و النفسية

0 356

هل حدثت نفسك يوما متعجبا من تقارب شهر رمضان الماضي و الحالي زمنيا، أو عجبت لسرعة إنقضاء الشهر الفضيل و عجّلت بإستغلال أيامه المعدودات قبل فواته ؟ ما تفسير هذا الشعور ؟ و ما سر تناقضه مع الذين يعتبرون رمضان ضيفا ثقيلا تمر ثوانيه ببطء، و تزداد بطئا قبل موعد الإفطار و خلال صلاة التراويح ؟

تحاول هذه المادة تفسير شعور الطرفين المتناقضين، و تطرح حلولا للتعامل مع الوقت في آخر أيام أعظم الشهور و أبركها، ليحل ضيفا كثيفا بالطاعات و إستغلال الأوقات، و ينقضي مخلفا شعورا بالإنجاز و اليقين بالعتق من النيران، على وقع إبتهالات “لا أوحش الله منك يا شهر رمضان”.

تفسير التباين في إدارك الوقت :
تفسير ديني: يقول الرسول صلى الله عليه و سلم -كما ورد في صحيح مسلم- “لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، و يكون الشهر كالجمعة، و تكون الجمعة كاليوم، و يكون اليوم كالساعة، و تكون الساعة كإحتراق السعفة”.

و قد إختلف العلماء في معنى تقارب الزمان الوارد في الحديث، فمنهم من ذهب إلى أن التقارب يمكن أن يكون معنويا بمعنى ذهاب البركة من الوقت و قلة الإنتفاع بساعاته.

يوضح الكاتب عقل ربيع أن “بركة الوقت نعمة بيد الله عز و جل، و لا يصل إليها العبد إلا بفضله و عونه و رحمته، فإذا كان الحبل مع الله متصلا، مدّ لعبده حبل البركة في وقته، أما من دون إعمار العلاقة مع الله فلا تتحقق البركة مهما خُطط لها”.

الحالة النفسية : في العام 2016 أعد باحثون برتغاليون دراسة عن الأسس العصبية الحيوية للتصور الشخصي حول سرعة مرور الزمن أو بطئه، نشرت في مجلة “ساينس” (Science) العلمية، و خلصت إلى أن ذلك شعور داخلي بالوقت، لكنه غير مستقر و يختلف من شخص لآخر تبعا لحالته النفسية، فإن كان سعيدا يمر الوقت بسرعة و العكس صحيح، فيقول أحدهم مثلا “مرت الدقيقة كأنها دهر أثناء إنتظار النجدة” أو “سنة سعيدة بقربك مرت كلمح البصر”.

و يبين الكاتب عقل ربيع أن سرعة مرور الوقت مرتبطة بالحالة النفسية للصائم، التي تتكئ على 3 أضلاع، و هي :

ضلع التصالح مع النفس.
ضلع الشعور بلذة الطاعة.
ضلع القدرة المادية على الإنفاق على الذات و الأسرة، و التصدق و فعل الخير.
و أي خلل في أحد هذه الأضلاع يجعل الوقت ثقيلا يرهق روح الصائم.

هرمون الدوبامين : يقول العالم جوزيف باتون من “مركز أبحاث لشبونة” أن التصور الشخصي للوقت يعتمد على نشاط الخلايا العصبية التي تنتج الناقل العصبي أو هرمون الدوبامين، الذي ينتج في منطقة “المادة السوداء” داخل الدماغ، و يصنع شعورا بالرغبة و الحافزية، و إن نشاط هذا الناقل هو عنصر رئيسي في عملية معالجة الزمن؛ فكلما زاد إنتاج الدوبامين في خلايا المادة السوداء، تزايدت الإشارات التي يرسلها الأول، مؤديا إلى قلة الفواصل الزمنية بين إشارات الأعصاب، مما يفسر إحساسنا بمرور الوقت سريعا. و على النقيض فإن إنخفاض نشاط خلايا المادة السوداء يعطي إحساسا ببطء الزمن.

كثافة التجربة : يوضح أستاذ علم الإجتماع مايكل فلاهيرتي في تقرير نشر عام 2017، أنه توصل إلى أن الوحدات الزمنية المعيارية مثل الساعة أو الدقيقة تتباين في كثافة التجربة الإنسانية، أي حجم ما تحمله النفس البشرية من معلومات موضوعية و ذاتية.

ليضيف فلاهيرتي : “ترتفع كثافة التجربة عندما تحدث العديد من الأمور (مواجهة قتالية)، إذ إن كثافة التجربة قد تكون بالإتفاع ذاته عندما لا يحدث أي شيء تقريبا (العزل الإنفرادي). نحن نولي إهتماما أكبر بالظروف الغريبة، و هو الأمر الذي يزيد على كثافة التجربة لكل وحدة زمنية معيارية، و يبدو الزمن كأنه يمر ببطء”. و وفقا لذلك، فإن المهام الروتينية التي نستطيع الإنخراط فيها دون تكريس الكثير من الإهتمام فيها تقلّص كثافة التجربة و تجعل الوقت يمر سريعا.

تفسير جيولوجي فلكي : يمكن أن يؤدي تغيّر مواعيد طلوع الشمس و الحالة المناخية إلى تغير في معدل سرعة الوقت، كما بيّن المختص في علم الجغرافيا نظمي عبد العال أن سرعة دوران الكوكب أو النجم و قوة جاذبيته متوقفة على قوة أو ضعف حرارته الباطنية. و يتابع “حرارة باطن الشمس أعلى بكثير من حرارة باطن الأرض، لذلك سرعة الشمس حول نفسها و حول النجم الكبير و قوة أكبر من الأرض، و عكس ذلك حرارة القمر الباطنية الأقل من حرارة باطن الأرض، لذلك فسرعة دورانه حول كوكبنا أبطأ من دورانه حول نفسه و حول الشمس. و مدة يوم الأرض 24 ساعة، بينما مدة اليوم القمري تزيد بمعدل 45 دقيقة”.

يتابع “حرارة باطن الأرض في تناقص، إذن سرعتها تتناقص أيضا، و منطقيا اليوم الشمسي يجب أن يزيد عن 24 ساعة، هل نشعر بهذا واقعيا ؟ الجواب لا، بل على العكس نشعر بتسارع الوقت”.

كيف أتحكم بالساعة الرمضانية ؟
لا تنتظر : يقول مايكل شادلن عالم الأعصاب في مركز كولومبيا الطبي، أن إدراك الدماغ للوقت يعتمد على توقعاته، و عندما نشغل أنفسنا بشيء ما فإن دماغنا يتوقع الصورة الكبيرة، مما يجعل الوقت و كأنه يطير، و عندما نشعر بالملل فإن دماغنا يتوقع الأفق الأقرب.

كذلك الأمر عندما نتفرغ لإنتظار موعد الإفطار من دون إستغلال الوقت، أو عندما نبدأ صلاة التراويح و نحن نفكر في موعد إنتهائها، فهذا يجعل الوقت يبدو كأنه يمر ببطء.

نظّم وقتك و أشغله : و درءا للنقطة السابقة، فإن وجود برنامج يومي شامل للأعمال الدنيوية و العبادات الدينية يملأ الوقت و يقتل الملل، فيشعر المرء بخفة الوقت و بركته لأنه إستغله بأفضل شكل، فرُب وقت سريع مثمر خير من بطيء قاحل. بالإضافة إلى ذلك ضرورة الإستيقاظ باكرا و عدم تضييع الليل في مشاهدة المسلسلات الرمضانية بإسراف.

كثف التجربة و إبتعد عن الروتين : إجعل رمضان شهرا لا ينسى، و إكسر رتابة أعمالك، و كثفه بالتجارب الجديدة التي يخزنها الدماغ على شكل ذكريات تعطي الوقت طابعا نوعيا، و هذا السبب في إحساس كبار السن بأن عمرهم اللاحق مضى سريعا بينما طالت طفولتهم، لأن الطفولة مليئة بالتجارب الجديدة، و مع تقدم العمر تصبح الحياة أكثر رتابة. يمكنك مثلا أن تخوض تجربة تطوعية جديدة أو تصلي في مساجد مختلفة. مع ضرورة المشاركة في العبادات الجماعية التي تخفف الحمل و المشقة؛ فشهر رمضان حدث يستاوى في حمله الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.