عيد الإستقلال ذكرى تلاحم العرش و الشعب في سبيل الحرية و الوحدة

0 68

يخلد الشعب المغربي، غدا الثلاثاء، بكل مشاعر الفخر و الإعتزاز، الذكرى السبعين للإستقلال، الذي يمثل أسمى معاني التلاحم بين العرش العلوي و الشعب المغربي، في ملحمة كفاح إمتدت لعقود من أجل الدفاع عن وحدة الوطن و سيادته و حماية مقدساته.

و تعتبر هذه الذكرى محطة راسخة في تاريخ المملكة و في وجدان المغاربة كافة لما تحمله من دلالات عميقة و قيم رفيعة، و هي مناسبة لإستحضار السياق التاريخي لهذا الحدث الجليل، الذي يعكس الوطنية الحقة في أرقى مظاهرها و يجسد إنتصار إرادة العرش و الشعب، و إلتحامهما الوثيق في سبيل التحرر من الإستعمار، و إرساء أسس مغرب مستقل و موحد، يطل على مستقبل ناهض لأبنائه.

كما أنه لا يمكن إستيعاب نضال الشعب المغربي دون التذكير بأبرز المحطات التاريخية، و في مقدمتها الزيارة التاريخية التي قام بها أب الأمة و بطل التحرير، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947، لتأكيد تشبث المغرب، ملكا و شعبا، بحرية الوطن و وحدته الترابية، و تمسكه بمقوماته و هويته الوطنية.

و من أبرز ملامح الكفاح الوطني، ما قامت به الحركة الوطنية منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي، من الإنتقال إلى النضال السياسي و العمل الوطني الهادف إلى نشر الوعي الوطني و شحذ العزائم و إذكاء روح المواطنة في صفوف الشباب و جميع فئات المجتمع.

كما سعت الحركة الوطنية إلى التعريف بالقضية المغربية في المحافل الدولية، مما كان له أثر بالغ على الوجود الأجنبي الذي حاول مواجهة الفكر التحرري الوطني بإجراءات تعسفية، في حين كان ذلك النضال متفاعلا و متوافقا مع رؤية أب الأمة و بطل التحرير جلالة المغفور له الملك محمد الخامس.

و لم يفلح المستعمر في وقف المد الوطني، رغم نفي جلالة المغفور له الملك محمد الخامس وأسرته الشريفة إلى كورسيكا ثم مدغشقر، إذ تجلت روح المقاومة في الإنتفاضات العارمة التي عمت المدن و القرى المغربية كافة، و أكدت أن حب الوطن و التمسك بالحرية لا ينكسر.

و شهدت ربوع المملكة معارك بطولية و إنتفاضات شعبية جسدت مقاومة أبناء الشعب المغربي للوجود الأجنبي و هيمنة الإستعمار، من أبرزها معارك الهري و أنوال و بوغافر و جبل بادو و سيدي بوعثمان، إضافة إلى إنتفاضة قبائل آيت باعمران و الأقاليم الجنوبية، حيث لقن المقاومون القوات الإستعمارية دروسا بليغة في الصمود و التضحية.

و في لحظة إلتحام الأمة، إنطلقت شرارة ثورة الملك و الشعب يوم 20 غشت 1953، التي أصبح الإحتفاء بها مناسبة للأجيال الصاعدة لفهم حجم التضحيات التي بذلها أجدادهم في سبيل إسترجاع الإستقلال و التحرر من الإحتلال.

و إنتصرت الإرادة القوية للأمة في الدفاع عن القيم الوطنية، ضدا على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أن نفي رمز الأمة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس لم يكن سوى شرارة لتعزيز الوطنية و تسريع نهاية عهد الحماية.

و مع عودة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس و أسرته الملكية يوم 18 نونبر 1955، أعلن جلالته عن إنتهاء نظام الحماية الفرنسية، و بزوغ فجر الحرية و الإستقلال، مجسدا بذلك الإنتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، و إنتصار ثورة الملك و الشعب.

و كان الإستقلال نصرا مبينا و لحظة تاريخية حاسمة توجت مراحل الكفاح الوطني الذي إمتد منذ 30 مارس 1912، حيث دخل المغرب حقبة جديدة أطلق خلالها أب الأمة إصلاحات واسعة شملت جميع القطاعات الحيوية، مع التركيز على بناء دولة مستقلة و وضع أسس الوحدة الترابية.

و سار المغفور له الملك الحسن الثاني على نهج والده، قائدا مسيرة إستكمال الوحدة الترابية، فإسترجعت مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، و إستكملت عملية إسترجاع الأقاليم الجنوبية عبر المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975.

كما حرص المغفور له الملك الحسن الثاني على بناء دولة القانون و المؤسسات الحديثة و إرساء نظام سياسي و ديمقراطي متين.

و ترسيخا لمسيرة البناء التي بدأها جلالة المغفور لهما الملك محمد الخامس و الملك الحسن الثاني، يواصل اليوم الملك محمد السادس، ورش تحديث المغرب، مع التركيز على الدفاع عن الوحدة الترابية، و تحقيق تنمية إقتصادية و إجتماعية مستدامة، تكفل لكل مواطن عيشا كريما و ترتقي بالمملكة إلى مصاف الدول التي تجعل الإنسان محور سياستها.

و لا تنضج الشعوب إلا بإستحضار تاريخها، و إستيعاب معاركه و إنجازاته، و إستلهام العبر من محطاته، لتكون قوة دفع نحو مستقبل أفضل، و هو ما تتيحه ذكرى الإستقلال، إذ تشكل مناسبة للتأمل في تاريخ المغرب الزاخر بالأمجاد و المواقف البطولية، و تجسيد قيم وطنية، و إذكاء روح المواطنة، و تحصين المكتسبات الديمقراطية، و مواصلة مسيرة الجهاد الأكبر، و حماية الوحدة الترابية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.