العرائش..تخليد الذكرى الـ 447 لمعركة وادي المخازن

0 878

خلد الشعب المغربي و معه أسرة المقاومة و جيش التحرير، أمس الإثنين، الذكرى الـ 447 لمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة، و التي جسدت أروع صور الصمود و التحدي و الشهامة من أجل الدفاع عن حوزة الوطن و إعلاء راية الإسلام.

بهذه المناسبة، أشرف المندوب السامي لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، رفقة الكاتب العام لعمالة إقليم العرائش، بحضور السلطات الإقليمية و المحلية و المنتخبين و نشطاء المجتمع المدني و العمل الجمعوي و المنتمين لأسرة المقاومة و جيش التحرير، على تدشين مقر النيابة الإقليمية و فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة و التحرير بمدينة العرائش، و تنظيم مهرجان خطابي بالجماعة الترابية السواكن.

و أكد السيد الكثيري، في تصريح للصحافة، أن ساكنة إقليم العرائش و أسرة المقاومة تخلد الذكرى الـ 447 لملحمة واد المخازن الخالدة، و التي تعتبر محطة تاريخية تحمل دروسا و عبرا، و تنضح بمنظومة قيم دينية و روحية و أخلاقية و وطنية و إنسانية و كونية.

و قال إن “من الواجب علينا و مسؤوليتنا أن نبرز هذه القيم في مثل هذه المناسبات، و الحرص على إيصالها للأجيال الصاعدة، و حثهم على الإعتزاز بها و تمثلها و الإستنارة بها لمواصلة مسيرة إعلاء صرح المغرب، البلد المتقدم و المزدهر”.

في هذا السياق، أشار إلى أنه سيتم بهذه المناسبة تكريم خمسة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الراحلين، إلى جانب تسليم دعم مادي لفائدة 29 شخصا، من ذوي حقوق و أسر المقاومين وأعضاء جيش التحرير و الذين يوجدون في وضعية عوز مادي”.

و تم خلال المهرجان الخطابي تقديم كلمات و شهادات تستحضر الدلالات الرمزية و الأبعاد التاريخية لمعركة وادي المخازن، التي تعد منارة وضاءة في مسيرة الكفاح الوطني الطافح بروائع النضالات من أجل الحرية و الإستقلال و السيادة الوطنية.

و أبرز مقال للمندوبية السامية، بهذه المناسبة، أن معركة وادي المخازن وقعت في ظروف إقليمية و دولية دقيقة تميزت بدخول العثمانيين في سلسلة من المواجهات العسكرية مع القوى الإستعمارية الأوروبية، و في تنامي الأطماع الأجنبية في التحكم في أوضاع الشمال الإفريقي و خاصة الدولة المغربية، بهدف إستغلال المراسي و الموانئ الأطلسية و مرسى العرائش الذي شكل، بوجه خاص، الذريعة التي إستخدمها البرتغاليون لتبرير حملتهم العسكرية على المغرب.

في حمأة الأطماع الخارجية على المغرب، نهج السلطان عبد المالك السعدي خطا إستراتيجيا متوازنا بذكائه المتقد و بحنكته السياسية و بفهمه الدقيق للظرفية الوطنية و لنوايا الأطراف الأوروبية و بمعرفته اليقظة بمخططات القوى الدولية العظمى في منتصف القرن السادس عشر، فإستطاع المغرب الحفاظ على إستقلاله و سيادته، غير أن ملك البرتغال ركب أطماعه مغامرا في حملة عدوانية غير محسوبة العواقب لبسط نفوذه و الهيمنة على الكيان المغربي الحر المستقل و القوي.

كما إستعان السلطان عبد المالك السعدي في الإعداد للمعركة بإدراكه و بحسه السياسي، و فطن منذ البداية لأهمية عامل الزمن بالنسبة للمغاربة.

و هكذا، نجده يكاتب “دون سبستيان” و يعرض عليه السلام و التفاوض لربح الوقت و الاستعداد للمواجهة المحتملة. و عندما تحرك “دون سبستيان” و وصلت جيوشه إلى منطقة طنجة أصيلة، كاتبه السلطان عبد المالك السعدي بغير أسلوبه العادي، و بما يؤدي إلى جر جيوش “دون سبستيان” إلى معترك إختاره عبد المالك بكل عناية، ألا و هو سهل وادي المخازن.

و مما جاء في رسالته الموجهة إليه : “إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك و جوازك العدوة، فإن تبثت إلى أن نقدم عليك، فأنت نصراني حقيقي شجاع …”.

و قد أورد بعض المؤرخين أيضا مقولة عبد المالك السعدي :”إني رحلت إليك تسع عشرة رحلة، أما ترحل إلي واحدة!”. و فعلا، إستطاع السلطان عبد المالك السعدي أن يجر الجيش البرتغالي إلى سهل وادي المخازن، مما كان له أكبر الأثر في تحديد مصير المعركة قبل أن تقع.

و للإشارة، فإن القوات البرتغالية التي عبرت إلى المغرب كانت تضم أسطولا يفوق عدد وحداته 500 قطعة بحرية تقل على متنها جيشا نظاميا و تعزيزات من المرتزقة، و الحشود الحليفة الداعمة، فضلا عن وضع الملك الاسباني رهن إشارة ملك البرتغال وحدات بحرية أخرى إنضمت إلى الجيش البرتغالي.

و لما بدأت الجيوش الغازية تتوغل شيئا فشيئا بعيدا عن ميناء العرائش، برهن المغاربة عن ذكائهم عندما إستدرجوا الجنود و تركوهم يتسربون إلى أن عبروا وادي المخازن و استقروا في السهل الموجود على يمين نهر اللكوس.

و في يوم الإثنين 4 غشت 1578، دارت معركة حامية الوطيس بوادي المخازن في منطقة السواكن بعد أن حطم الجيش المغربي جسر النهر للحيلولة دون تراجع القوات الغازية نحو ميناء العرائش، و مني البرتغاليون بخسارة جسيمة حيث قتل ملكهم، و الملك المخلوع محمد المتوكل. كما توفي السلطان عبد المالك السعدي إبان المعركة، جراء تسممه من لدن الأعداء.

و قد أخفى خلفه السلطان أحمد المنصور الذهبي نبأ وفاته ليواصل تدبير و قيادة المعركة التي إصطلح على تسميتها بمعركة الملوك الثلاثة و التي أكسبت المغرب مجدا تليدا، و حقق فيها المغاربة نصرا مبينا زاد من هيبة المغرب و مكانته في إفريقيا و حوض البحر الأبيض المتوسط، و ظلت مبعث إعتزاز و شرف له كدار للإسلام و السلام و الأمن و كيان وطني مهاب الجانب يحتمي به المسلمون كافة و يحظى بتقدير و إحترام سائر أقطار المعمور.

ستظل معركة وادي المخازن التي يعتز بها كل المغاربة، و المسلمون قاطبة في مشارق الأرض و مغاربها و أبناء إقليم العرائش و جماعة السواكن على الخصوص، معلمة بارزة في تاريخ مواجهة المغاربة للعدوان الخارجي، و منارة وضاءة على درب النضال و الجهاد، و درسا حيا و نموذجيا في الدفاع عن الوطن و الذود عن حماه و إعلاء شأنه و مكانته بين أمم و شعوب المعمور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.