موسيقى الجاز و كناوة..سحر و وصل و لغة عالمية تتجاوز حدود الزمان و المكان

0 20

عبر جل محطاتها التاريخية، إمتزجت موسيقى الجاز بعدد من الألوان و الثقافات الموسيقية العالمية تاركة بصمتها الفريدة على كل محطة، لتشهد بذلك على ميلاد أنماط موسيقية فريدة كسرت الحدود و أبدعت لغة موسيقية عالمية تجاوزت مفهومي الزمان و المكان.

و لم يكن إرتباط موسيقى الجاز بالموسيقى المغربية العريقة إستثناء أو وليد اليوم، حيث امتزجت موسيقى الجاز بموسيقى كناوة منذ الستينيات، حين إكتشف أحد أشهر مبدعي الجاز، راندي ويستون، هذا النمط الموسيقي بالمغرب و سعى إلى دراسته و ممارسته مع أشهر المعلمين المحليين، فضلا أن المغرب شكل ،خلال هذه الحقبة، و جهة مفضلة للعديد من الفنانين العالميين، الذين ألهمتهم إيقاعات “الكمبري” أو”الغانغا ” و الطبول و “القراقب” مثل جيمي هندريكس و كات ستيفنز و بوب مارلي.

و الواقع، أن موسيقى كناوة في شمال إفريقيا جاءت حاملة في طياتها قصصا من الشوق إلى الحرية و الحنين إلى الوطن، و هو الأمر نفسه الذي كان وراء ظهور موسيقى “البلوز” و “الجاز” في أمريكا على يد هواة و فنانين قادمين من القارة الإفريقية بغرض إسترقاقهم.

و في هذا السياق، أكد الفنان المغربي و المدير الفني لمهرجان “جاز شالة”، مجيد بقاس، أنه على الرغم من تفرد كل نوع من هذين اللونين الموسيقيين بخصوصيته، إلا أن هناك الكثير مما يجمع بينهما، لاسيما الرابط التاريخي بالجذور الإفريقية، و الماضي المشترك المتمثل في تجارة الرقيق التي كانت السبب الرئيسي في نشأة هذه الأنماط الموسيقية، فضلا عن الجانب الموسيقي المتمثل في الإيقاع الثلاثي (ternaire), و المقامات الخماسية.

و أضاف بقاس، في حديث للصحافة بمناسبة اليوم العالمي لموسيقى الجاز (30 أبريل من كل سنة)، أن القواسم المشتركة بين موسيقى الجاز و موسيقى كناوة على مستوى الإيقاع و الألحان أو الطقوس الغنائية التي تعتمد بشكل كبير على الإرتجال، تشكل عناصر أساسية في خلق إنسجام تام بينهما دون تجاوز خصوصية كل نمط منهما، مبرزا أن المزج بين موسيقى الجاز و موسيقى كناوة يتطلب إلماما كبيرا بالفنيين معا.

و قال المعلم الكناوي أن المغرب يعتبر بلدا رائدا في المزج بين موسيقى كناوة و الجاز، مستعرضا، في هذا الصدد، تجربته التي تعتمد على قوة الموسيقى الكناوية إيقاعيا، و تقنيات الجاز في ما يخص “الهارمونيا”، و توظيف آلة “البيانو” و “الساكسفون” و الألوان الإفريقية و آلات “البالافون” و “الكورا” و “الكالمبا”.

و أشار بقاس إلى أن موسيقى كناوة التي كانت تمارس قديما فقط في ما يعرف ب “الليلة”، بطقوس الروحية المتمثلة في ال”جدبة”، أصبحت الآن فنا متكاملا، من خلال إنفتاحها على المهرجانات الكبرى و مختلف الأنماط الموسيقية الأخرى، الشيء الذي أكسبها تغيرا كبيرا في طبيعتها.

و أضاف أن فنا البلوز و الجاز في عدد من الولايات الامريكية ظهرا بدورهما للتعبير عن سخط المواطنين الأفارقة من المعاناة خصوصا إبان فترة تجارة الرقيق، قبل أن يصبحا نمطين موسيقين متكاملين للموسيقى الأمريكية.

و لم يفت بقاس، الملقب ب”علي فاركا توري المغربي”، التذكير بالتجارب التي قام بها عازف البيانو راندي وستون أحد أعمدة موسيقى الجاز العريقة، و الذي كان سباقا في مجال المزج بين النمطين الموسيقيين، حينما اكتشف موسيقى كناوة بطنجة سنة 1967، رفقة المعلم عبد الله الكورد ومعلمين آخرين، حيث أسس نادي الجاز بطنجة أو ما يعرف حاليا “بـ سينما موريتانيا”.

من جهة أخرى، أكد بقاس أن إختيار المغرب للإحتفاء باليوم العالمي لموسيقى الجاز هذه السنة بمدينة طنجة يشكل تكريسا للعمق التاريخي للمملكة في مجال التنوع الثقافي و الفني بما في ذلك موسيقى الجاز، مبرزا أن هذا النمط الموسيقي كان دائما حاضرا سيما عن طريق عازفي الجاز الذين يتوافدون بشكل مستمر على المغرب.

و يجمع اليوم العالمي لموسيقى الجاز، الذي أقره المؤتمر العام لليونسكو في عام 2011 و إعترفت به الجمعية العامة للأمم المتحدة، البلدان و المجتمعات من جميع أنحاء العالم في 30 أبريل من كل عام. كما يسلط الضوء على صدى موسيقى الجاز و دورها في تعزيز السلام و الحوار بين الثقافات و التنوع و إحترام الكرامة الإنسانية.

و يصل صدى اليوم العالمي لموسيقى الجاز إلى أكثر من ملياري شخص في جميع القارات كل عام، من خلال البرامج التعليمية و العروض و أنشطة التوعية المجتمعية و الإذاعة و التلفزيون و وسائل الإعلام عبر الإنترنت و الصحافة المكتوبة و الشبكات الإجتماعية.

كما يهدف هذا اليوم إلى إذكاء الوعي بمزايا الجاز كأداة تعل مية، و كقوة للتعاطف و الحوار و تقدم التعاون بين الشعوب. و في هذا اليوم، تشارك العديد من الحكومات و منظمات المجتمع المدني، و المؤسسات التعليمية إضافة إلى المواطنين بالترويج لموسيقى الجاز.

و يشكل اليوم العالمي لموسيقى الجاز فرصة أيضا لترسيخ هذا النوع من الإبداع الفني، ليس فقط من أجل الموسيقى، بل أيضا من أجل المساهمة في تعزيز الدور الطلائعي الذي يضطلع به هذا اللون الموسيقى الذي ينشر من خلال إبداعاته شعارات تدعو الى السلام و التعايش و الحوار بين مختلف الثقافات.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.