محسن ، مرضنا المزمن …

3 420

مات محسن فكري الذي لم يكن يعرفه أحد …

قبيل الوفاة كان نكرة يدب على هذه الارض كما تدب ملايين النكرات …

مات مدافعا عن ماله …

مات مجسِّـدا قول الشاعر :

عش كريما أو مت عزيزا {==}بين طعن القنا وخفق البنود

استُلت روحه انتزاعا بين أسطوانات آلة ضغط النفايات …

مات الجسد و وُورِي الثرى ليولد الرمز ، رمز المواطن الذي يضحي بحياته بالفعل لا بالشعارات التي يحلو للبعض أن يرفعها أثناء الحركات النضالية ، فإذا ما برز “العدو” كان في طليعة المدْبرين.

 دفن الجسد وحلقت الروح بعيدا لتحل في كل الأحياء /الأموات تدين استكانتنا وهواننا ، تحتقر جبننا وخنوعنا ، تعري نفاقنا وتواطؤنا ،تفضح روح الوصولية والانتهازية المتجذرة فينا ، تكشف الوجه الحقيقي البشع لديمقراطيتنا التي نحاول تسويقها بشتى العملات في الأسواق الخارجية ، تبين فهمنا الحقيقي –بدون مساحيق – لفلسفة حقوق الانسان وحقوق المواطنة .

كلنا محسن فكري …

 شعار تقاسمه “مناضلوا” مواقع التواصل الاجتماعي ولما يتبينوا أهلية “الفقيد” لحشد كل هذا التضامن الـلا مشروط ، كما  حدث تماما مع «شارلي ايبدو” ذات يوم ومع فرنسا وغيرهما …

 شعار رددته الألسن في الساحات والميادين ، في المدن الكبرى والصغرى …أمواج بشرية اندفعت في سباق غريب ضد الزمن ، زمن الشعور “بالحكرة” يوحدها المضمار وتفرقها النوايا …

ما أسهل أن يلقي المواطن البريء بنفسه وسط موجة بشرية ترفع شعار المظلومية وتهتف بسقوط الظالم ! ولكن ما أصعب أن ترفع صوتك وحيدا في وجه هذا الظالم !  

فهل حقا أنت محسن ؟

 لن أصدقك ، لان القرائن كلها تدينك ، سوابقك “العدلية” ضاقت بها الكتب والمجلدات ،شعاراتك لم يعد لها طعم إلا النذيرَ بقدوم مصيبة ،كلما تعالى ضجيجك وصياحك ،أطبق علينا صمت الأموات … قضيتي أنا يا رفيقي تلخصها كلمة واحدة : الانسانية ، أما قضيتك فلم تعد لها هوية ، قضيتي بيضاء ناصعة البياض وقضيتك تتلون حسب المواسم والفصول . حينما أعلن تضامني مع “محسن” فأنا أعبر عن إدانتي للقتل خارج القانون وللطريقة الوحشية – حتى في ظل القانون- التي اغتصبت بها الروح البشرية ،بغض النظر عن هوية الشخص أو موطنه أو دينه أو منزلته الاجتماعية أو الجهة التي قامت بالفعل ،دون أن يجرفني تيار المزايدات أو الركوب على أوجاع المكلومين .أما أنت –أيها المناضل- فقد اعتبرت الحادثَ فرصة لا تعوض لقضاء بعض المآرب ، فسارعت الى إعلان النفير وعبأت كل الطاقات لإنجاح مشروعك الشخصي وبلوغ أهدافك ، فهل كانت المسيرات في بعض المدن تضامنا أم استعراضا من خلال رفع بعض الاعلام وترديد بعض الشعارات الفارغة من أي محتوى؟ لِم يُصِر إخواننا الأمازيغ على انتهاز أي مناسبة مهما كان نوعها أو حجمها للتلويح بتلك الأعلام ؟ إن هذا السلوك لا يعبر إلا على الإفلاس الذي وصلت إليه هذه الحركة ،هو تعبير مفضوح عن مساومة روح بشرية لا تقدر بثمن –من منظور كل الشرائع السماوية- بمغانم تافهة … المقام مقام غضب على سلوك تسلطي يفترض فيه التعالي والتسامي على المطالب الفئوية الضيقة ، مقام عزاء ينبغي أن يُخيم عليه السواد لا الألوان الزاهية ،حري بالحركة في مثل هذه المواقف أن ترفع الأعلام الوطنية لأنها بهذا السلوك تدفع عنها كل الشبهات وتزيل كل اللبس في نواياها وتستميل المزيد من المتعاطفين مع قضيتها ،إذا صح فعلا وصفها بالقضية … أما عن الشعارات فقد عبرت عن لسان حال تلك الرايات : “الريف ماشي ديالك” ولا شك أن القراءة المتأنية لكل هذه الاحداث المتتالية والتي جاءت بعد انتشار خبر الوفاة ثم دفن المتوفى تكشف بالواضح وجود بصمات مهندسين يشرفون على التنظيم والاخراج رغم محاولة البعض وصف كل هذا الحراك بالعفوي.

أحقا أنت محسن –أيها المناضل- أم أنك استشعرت خطرا مُحدقا يهدد مصالحك ؟

لا أحد يخفى عليه حجم الاقتصاد السري الذي يتم تداوله في مناطق الشمال بشكل عام ، وهو اقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على التهريب ، ولا شك أن الحديث في الآونة الأخيرة عن الادارة وفسادها قد دق ناقوس الخطر واعتُبر بمثابة إنذار لكل مسؤول ، كما اعتبره المنتفعون من الوضع تهديدا مباشرا لشرايين حيواتهم ومساً مباشرا بمناطق نفوذهم … وقد فُهم من الخطاب أنه الضوء الاخضر لمحاربة الفساد وهو ما قد ينتهي بكشف شبكات الفساد و تجفيف المستنقعات التي تنتعش فيها ،وهذا بالضبط ما يفسر الركوب على قضية تاجر السمك المقتول والدعوة الى التظاهر حتى قبل معرفة ما إذا كان القتل متعمدا أو خطأ…كثيرة هي الأرواح التي أزهقت وتستحق الوقوف الى جانبها ولكن لم يحدث ذلك لقد طواها النسيان واللامبالاة ..أما الآن ، يراد للمسيرة أن تُنظم ، هي فرصة لا تعوض ، فرصة لخلط الأوراق ، لإظهار القدرة على الحشد ، لاستعراض القوة ورد الاعتبار ولو شكليا بعد هزيمة السابع من أكتوبر والاخفاق في الوصول الى رئاسة الحكومة ، ثم هي رسالة للابتعاد عن محمية المنتفعين من الوضع القائم .وبعد هذا وذاك تتباكى على المقتول وتتغنى بالمصلحة الوطنية !                      

  أرجوك لا تقل لي بعد اليوم مصلحة الوطن ولا حب الوطن ، فقد مللنا سماع هذه الوصلة ، لقد سحبتم ما تبقى من أمل في وطن يتسع للجميع …كنا سكارى بحب الوطن ،نقف باحترام ووقار، نردد التحية وعيوننا لا ترف جفونها ، تظل ترنو الى العلم يرتفع ويعلو.. ثم يعلو الصوت بشعار : الله-الوطن-الملك ، وحين نلتفت نكتشف أن  كل ما نملك من هذا الوطن لا يتعدى قطعة ثوب لا تحمي من برد ولا تقي من مرض ،

 أذكر ذات يوم حين أسندت ظهري الى الجدار البارد بقاعة المستشفى أنتظر دوري الى جانب طابور من المرضى لملاقاة الطبيب ،كان البعض من أبناء جلدتنا المحظوظين يتخطى الرقاب ، تتغامز الأعين ثم يفتح الباب وبعد لحظات يخرج والأمل في العافية مرسوم على محياه ، يمسحنا بعينين ولسان حاله يرثي لحالنا أن عجزنا عن إيجاد وسيط يقربنا من الطبيب : مساكين … تخرج المساعدة لتصعق المرضى : إن الطبيب قد غادر ، فلا نملك إلا أن نجر آلامنا وكلنا يصرخ “محسن” بداخله … وليست هذه أول صرخة فقد صرخ في الادارة ويصرخ في التعليم ،صرخ في الشغل ويصرخ في القضاء ،صرخ في السياسة ويصرخ في كل مكان وفي كل زمان … نحن تعايشنا مع صرخاته لقد أضحى مرضَنا المزمنَ . فلا تلوموني إذا ما أحرقت هويتي ويممت صوب الشمال مقتفيا أثر طارق لاجئا لا فاتحا …

3 تعليقات
  1. moh يقول

    “bravo c abdelkarim ” momti3

    1. كريم يقول

      تحية خويا موح على التفاعل

  2. moh يقول

    ” bravo c Abdelkarim ” momti3″

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.