القضاء مكمن الفساد

2 419

كيف نقيس قوة العدالة في محاكمة ما ؟ يمكن القول ان كمية العدالة تتناسب عكسياً مع المسافة بين المحاكمة الفعلية وبين الشكل المثالي لها. لكن هذه المسافة ليست قياساً مناسباً لأنها لا تأخذ بنظر الاعتبار المعوقات التي كان على العدالة ان تتغلب عليها في تلك المحاكمة. فمبدأ استقلال القضاء مثلاً، يخضع مثل كل المبادئ، لإعتبارات عملية، ويصلح كهدف يتم الإتجاه نحوه و الإقتراب منه قدر الأمكان لا ان يؤمل الوصول اليه. أما “العدالة” فهي الدافع المحرك والجهد المبذول بإتجاه ذلك الهدف. بالمقابل، هناك “معوقات للعدالة” تتمثل بالضغوط بكافة انواعها من لوبي فاسد ومؤثرات عاطفية وسياسية ومصالح وقوة وفساد وغيرها تعمل من خلال التأثير على القضاء وتخريب استقلاليته.

حساين المامون – أستاذ باحث

المسافة التي ستفصل اية محكمة عن الشكل المثالي لها سيحددها إذن، ليس قوة العدالة وحدها بل الصراع بين كل تلك المؤثرات السيئة وبين مبادئ العدالة واستقلالية القضاء التي تعمل على ابقاء المحكمة واجراءاتها اقرب ما تكون الى المثالية.
ففي محكمة لا تلعب فيها اية معوقات قوية من مصالح او عواطف او مفاسد دوراً هاما، يسهل عادة الوصول الى محكمة مثالية حتى ضمن نظام قضائي محدود الاستقلالية وضمن مبادئ عدالة ضعيفة. فمن المتوقع مثلاً ان تجري محاكمات مثالية للقضايا الشخصية والعائلية للناس الإعتياديين وفي محاكمة اللصوص الصغار والمواطنين البسطاء فيما بينهم، لذا لا تدل جودة تلك المحاكم على قوة العدالة في البلد بالضرورة.

aبالمقابل،فأن تلك المبادئ تتعرض في المحاكمات الكبيرة وخاصة المرتبطة بمحاربة الفساد والمفسدين والفاسدسن والسياسين …الى معوقات كبيرة وتضعها امام تحديات ضخمة تتطلب في العادة جهوداً جبارة وتضحيات جسيمة لأبقاء المحكمة ضمن مسافة معقولة من الحالة المثالية. سنفحص قوة العدالة في اية دولة بمراقبة سير محاكمة تتعرض فيها تلك العدالة لمقارعة مصالح قوية.
ولو عدنا الى تأريخ وواقع عدالة مغربنا الحبيب فسنجد بسهولة الكثير من الأمثلة على هزائم العدالة والمبادئ واستقلالية القضاء حيثما كانت هناك مصالح سياسية او اقتصادية او مصالح متنفذين على المحك مع مصالح اضعف منها لفقراء (تعويضات مزوار،قضية اغتصاب البرلماني لموظفة الاوقاف…)
تضمنت جميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على ان يكون من بين اهم حقوق الإنسان هو وجود قضاء عادل ومستقل وان تتوفر للجاني أو المتهم محاكمة عادلة وفي ديباجة ميثاق الأمم المتحدة تؤكد تصميم شعوب العالم على بيان الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة ومنها “الحق في نظام قضائي نزيه ومستقل” ، كما في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد نص في مادته الرابعة عشر على مبدأ حيدة واستقلال القضاء .لذلك فان الحديث عن استقلال القضاء بالمغرب ودعم هذه الاستقلالية لا يعد بحثاً لتمييز القضاء عن سواه، وإنما تعزيزا أو تفعيلا لحق الإنسان في ذلك، فلا قيمة له إذا لم يكن قائم في وجدان الشعب وإيمانه بان استقلال القضاء هو أقوى ضمانة في كفالة الحقوق والحريات ، حتى وان أقرتها الدستور الجديد، عندما يترسخ إيمان الشعب باستقلال القضاء يكون الشعب هو المحامي والمدافع عن ذلك الاستقلال ، وفي هذا الصدد ينهض دور وسائل الإعلام بنشر الوعي القانوني بين عموم المواطنين، لأنه يحصن المجتمع تجاه خروقات أفراده لنواميسه الناشئة عن تجاربه التي مرَ بها. وهذا يقودنا إلى الاعتراف بعدم وجود الضمانة القانونية تجاه منع الفساد من الوصول إلى الأحكام القضائية التي هي المقدمة الكبرى للعمل القضائي، لذلك فانتهاك حقوق المتقاضين إنما تعدى على حق الإنسان في وجود قضاء مستقل.

عندما تتحول العدالة الى شعار فضفاض رنان نردده للتغني، لا نجد له واقع ليطال رموز الفساد التي يتموقع خلفها لوبي يستفيد من هذا الوضع،فان ذلك فحوى الرسالة التي يريد ارسلها ولا زال يرسلوها افراد من هذا الوطن الجريح والشعب المكلوم، ما قصة القضاة الدين تعرضوا للاعتقال بتهمة الارتشاء و علاقتهم بترويج المخدرات بشمال المغرب. الا خير دليل على أن القضاء المغربي تخترقه عدة لوبيات و مصالح وأن طريق العدالة لا زال طويلا.

إن شعور المشتغلين بالقضاء ورجالها بأنهم معفيون من المساءلة والحساب، بعكس رجال السلطة التنفيذية والتشريعية جعل البعض منهم ينتهك القانون ويتعاطى الرشاوى ويخل بشرف المهنة متسلحاً بقدرته على إخفاء معالم جريمة انتهاكه للقانون.
لقد أثبتت الكثير من الوقائع أن معظم رجال السلطة القضائية بالمفهوم الجديد للدستور مرتشون ومنحازون إلى من يملك العلاقات والرساميل المادية والاجتماعية والرمزية ضدا على المواطن البسيط المعدوم. لذلك يفضل المواطن فض نزاعاته مع الآخرين بالتراضي أو اللجوء إلى الله وتحاشي اللجوء إلى المحاكم، لأن معظم القضاة مرتشين وغير عادلين بأحكامهم.
اعتادت السلطة الرابعة تسليط الضوء أكثر على انتهاك وتجاوز السلطتين التنفيذية والتشريعية على القانون وتعفي السلطة القضائية منها لاعتقادها الخاطئ بإنها فوق الشبهات والانتهاكات القانونية وباعتبارها الحارس الأمين على القانون!. لكن الحقيقة تؤشر عكس ذلك اد أن ملفات وقضايا فساد وظلم واحساس ب”الحكرة” تبين أن السلطة القضائية أكثر فساداً من السلطات الأخرى فانتهاك القانون في أي مرفق من مرافق الدولة بالرغم من أثره السلبي لكنه لا يشكل خطراً على إنهيار مقومات الدولة، وعلى الضد من ذلك فإن الانتهاك للقانون من قبل السلطة القضائية يقوض ركائز الدولة لأنها قائمة على أساس قانوني ودستوري تعكس هويتها الاعتبارية.

إن السلطة الرابعة هي سلطة رقابية ومشرفة على أداء السلطات الثلاث (التنفيذية، القضائية، والتشريعية) وغير معنية بالمراكز الوظيفية للقائمين عليها لأنها تمثل ضمير المجتمع، فمنتهك القانون أي كان مركزه الوظيفي وانتماءه الحزبي يجب أن يخضع للمساءلة والحساب.
ولربما يخشى البعض من منتسبي السلطة الرابعة فضح انتهاك رجال القضاء للقانون لعدم وجود قانون يحمي الصحافيين من المساءلة، فهذا الهاجس أدى لإعاقة فتح ملفات الفساد في أخطر سلطة في الدولة والبحث في صلب الأحكام القضائية للتحقق من صحتها وخلوها من الرواسب السيئة والكامنة في هذه العلبة السوداء.
إن البحث والتحقق في ذمم القائمين على السلطة القضائية يعد الإجراء الأكثر أهمية في تنزيل الدستور و قيام دولة الحق و القانون ومحاربة الفساد واستعادة ثقة المواطن بالدولة وأجهزتها باعتبارها الملجأ للمظلومين واليائسين والمعدومين والبائسين…
كما يتوجب دعم استقلالية السلطة القضائية ومساندتها ضد محاولات الهيمنة التي تعمد إليها السلطة التنفيذية، وبذات الوقت يقع على عاتق القائمين على السلطة القضائية إجراء مراجعة وتقييم وتحقق من ذمم رجال القضاء للمحافظة على القانون باعتباره الوسيلة الوحيدة (على الأقل في الوقت الراهن) لمحاربة الفساد والريع و للحفاظ على السلم الاجتماعي وتحديد الحقوق والواجبات للمواطنين تجاه الدولة والمجتمع.

2 تعليقات
  1. Menzou يقول

    استاذناالفاضل :لا جرم أنكم أصبتم كبد الحقيقةفي مقالكم الهاذف الرائع الذي ينم عن مدى غيرتكم على حقوق البؤساء المقهورين في بلد يتبجح بالحدلثة والحق والقانون وغيرها من الشعارات البراقة والطنانة التي تعمي الأبصار وتصم الآذان في كل عصر ومصر
    بيد ان الذي ما اتمناه وادعو العلي القدير ان يجنبنا إياه هو شماتة القضاءالمغربي بمنظومته الحالية بدءا بالضابطة ومرورا بالنيابة والدفاع وانتهاء بالضباغ عفوا القضاء الجالس
    اللهم نجينا منهم اللهم خلص البلاد والعباد منهم خاصة عديمي الحس الوطني والضمير المهني وتقوى الله عزوجل
    وشكرا وعذرا إن قصرت أو بالغت ودمتم متالقين

  2. المامون حساين يقول

    شكرا ايها الرائع محمد منزو أكيد بمتابعتكم وتشجعتكم نواصل…ونحاول أن نكشف او نفضح مهمتنا هي الفضح والكشف في زمن الاقنعة والانبطاح للوبي الفساد والاجرام………مودتي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.