الصويرة..رمضان بطعم الود و العيش المشترك

0 32

في قلب مدينة الصويرة، حيث تداعب رياح المحيط الأطلسي أسوار المدينة العتيقة، يكتسي شهر رمضان المبارك طابعا خاصا.

و على الرغم من تشابه الأجواء الرمضانية في ربوع المملكة، إلا أن مدينة الرياح تمتاز بتنوعها الثقافي و الروحي، حيث تصبح مسرحا حيا تنصهر فيه بإنسجام الأصالة و الود و العيش المشترك، لتمنح تجربة فريدة للمقيمين و الزوار.

و في المدينة العتيقة، التي تعد جوهرة مدينة الصويرة، كل يوم من هذا الشهر المبارك يشكل صورة آسرة، و سواء تعلق الأمر بالبحث عن مأكولات حلوة أو مالحة، أو اللحوم الطرية أو الأسماك الطازجة، فإن السوق المركزي يقدم وليمة حقيقية للحواس.

و تتزين الأكشاك بألوان متلألئة و نكهات أخاذة تجذب منذ نسمات الصباح الأولى زبائن متنوعين متعطشين للتذوق و متشبعين بتقاليد تعود إلى قرون عديدة.

و يعرض التجار الأوفياء لهذه التقاليد بهذا الموقع التاريخي منتجاتهم المتنوعة بتفان مثير، و هم مصرون على إبراز أدق التفاصيل من أجل تقديم تجربة حسية لا تنسى للزبناء و من بينهم السياح.

و تتنافس سلال الفواكه و الخضروات الطازجة مع التمور و الفواكه المجففة المصفوفة و المعروضة بعناية، بينما تنضح التوابل الملونة بروائح مغرية تغازل الحوانيت التي تفيض بالأسماك الطازجة.

و قبيل موعد الإفطار، يبلغ النشاط الرمضاني ذروته، و تنبض الأزقة بالحياة من قبل المارة، حيث تمتزج الأصوات بأذان صلاة العصر الذي يتردد صداه في المساجد المجاورة.

و وسط ضجيج متجره الصغير المتخصص في بيع العسل و الزيوت، يجد إبراهيم نفسه غارقا وسط حركية زبنائه، إذ يلبي طلباتهم المتدفقة بشغف و مهارة.

و قال في تصريح للصحافة، أن المحلات التجارية بالمدينة القديمة تشهد إقبالا كبيرا خلال هذا الشهر الفضيل، منوها بهذه الحيوية الإقتصادية التي تنعش كل ركن من أركان هذا الموقع الرمزي، مما يوفر فرصة ثمينة للتجار للإزدهار، و مناسبة للساكنة تتقاسم من خلالها هذه الأجواء الودية و المفعمة بالدفء الإنساني.

و على بعد خطوات، يتواجد متجر زكرياء، سليل أقدم عائلة من العشابين في الصويرة، قرب سوق السمك في المدينة العتيقة. و بوجه بشوش يستقبل زبناءه مقدما لهم عددا لا يحصى من التوابل و الأعشاب ذات الإستعمالات المتعددة، و المقدمة بعناية في أوعية خزفية صغيرة ذات تصميمات تقليدية.

يتوقف المارة ليعجبوا بغنى و تنوع إختياراته، حيث يسعى كل منهم إلى أخذ القليل من سحر التوابل التي يتميز بها المطبخ المغربي.

و في تصريح مماثل، أبرز زكرياء أن “التوابل الأصيلة التي نقدمها تجذب السياح بشكل كبير”، مشيرا إلى أن جوهر المطبخ المغربي يكمن في هذه الخلطات الدقيقة و العطرة.

و في الجانب الآخر من السوق، تنشغل نعيمة في زقاق حيوي خلف طاولة متجرها الملون المتخصص في بيع المنتوجات المحلية، و تقدم بفخر مجموعتها من مستحضرات التجميل الطبيعية 100 في المائة.

من صابون الورد إلى زيت الأركان التجميلي، مرورا بمسحوق التين الشوكي، فإن ما تقدمه من منتجات غني و متنوع و يجذب إنتباه جميع المارة الباحثين عن الأصالة و الجودة.

و بالنسبة للسياح المسافرين، فإن هذا الإنغماس في أجواء رمضان النابضة بالحياة يوفر تجربة فريدة و آسرة، حيث يتجولون في الأزقة الضيقة معجبين بسحر الألوان و الروائح المنبعثة من المحلات.

و يكشف كل ركن من أركان الزقاق عن مشهد جديد و لقاء جديد يغرق الزوار في سمفونية حسية حقيقية تتفرد بها مدينة الصويرة في هذا الشهر المبارك.

و أثناء تجولها مع مجموعة من أصدقائها، أعربت بولين، و هي سائحة فرنسية شابة، في تصريح للصحافة، عن سعادتها “بالأجواء الرائعة التي تسود مدينة الصويرة خلال شهر رمضان”، مضيفة بنبرة مبهجة أن “الوضع هادئ و الناس يرحبون بنا بشكل لا يصدق، و هناك الكثير من الأمور الرائعة التي تستحق الإكتشاف”.

من جهة أخرى، فإن المأكولات ليست وحدها ما تميز شهر رمضان المبارك في الصويرة، و إنما كذلك التنوع الديني و الغنى الثقافي لهذه المدينة التي تتعايش فيها المساجد و المعابد و الكنائس منذ قرون.

و في أجواء تتسم بالورع و الخشوع، تمتلئ مساجد المدينة العتيقة التاريخية، مثل مسجد بن يوسف، بالمصلين الذين يقبلون لأداء صلاة التراويح، و يحاطون برعاية الرحمان بينما يستعدون لقيام الليل.

و مع مرور الليالي، تتحول المدينة القديمة إلى فضاء ثقافي إستثنائي، حيث تمتزج الروحانية بفرحة التسامح، و تنبض أمسيات رمضان بالفعاليات الثقافية و الفنية التي تسلط الضوء على التراث الموسيقي الغني لمدينة الرياح.

و تتردد أصداء الحفلات التي تضم فرقا موهوبة من موسيقى كناوة و عيساوة و الملحون و الموسيقى المغربية اليهودية في جميع أنحاء المدينة، مقدمة ألحانا آسرة تهذب الأنفس و تقوي الروابط بين الناس.

و في هذه الأثناء تستمر النقاشات الحيوية بين الناس حتى وقت متأخر من الليل يتخللها الإيقاع الهادئ لموج البحر المصطدم بأسوار لؤلؤة المحيط الأطلسي الضاربة في عمق التاريخ، مما يخلق سمفونية ليلية رائعة.

وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.