النفخ في النقط أو الشجرة التي تخفي الغابة

0 635

النفخ في النقط أو الشجرة التي تخفي الغابة

مدخل لابد منه

كلما أزف موعد الامتحانات الإشهادية تطفو إلى السطح ظواهر مقيتة داخل مؤسساتنا التعليمية ،و التي تقف حاجزا منيعا أمام أية رغبة حقيقية لتغيير واقع مدرستنا المأزوم و التي أنتجت للأسف الشديد خطابا مأزوما يدافع من موقع التواطؤ عن الأزمة.

إحدى تجليات هذا الخطاب المأزوم هو ركوب بعض الأساتذة صهوة المصالح الشخصية و الظهور بأقنعة متعددة إزاء رؤسائهم كي ينعموا بودهم وود النيابة التي غالبا ماترد الجميل بأحسن منه:شواهد تقديرية منصب إداري مريح ….

1– لماذا النفخ في النقط؟ :هذا الأستاذ من ذاك المدير.

اعتقد أن ذلك يرجع الى طبيعة العلاقة التي تربط بين هؤلاء و بين تلاميذهم .أساتذة لا شخصية لهم ،يجالسون تلاميذهم في المقاهي ،بل يتخذونهم أصدقاء و أحيانا ينظمون معهم الرحلات ،و الأهم من ذلك هو الحصول على مقابل مادي من خلال الدروس الخصوصية ،و بما أن الساعات الخصوصية غالبا ما ترهق الأستاذ السفسطائي ،فانه غالبا ما يحول القسم في المدرسة العمومية إلى محطة استراحة ،بتقديم أنشطة داخلية ، و حتى لايظهر أداء الأستاذ لايجد غضاضة في تشتيت النقط ذات اليمين و ذات اليسار في فروض من يربح المليون ، بل أحيانا يدعوهم للتعاون فيما بينهم ،أو كتابة الأجوبة على السبورة في جو هستيري كما يحدث في امتحانات السادس ابتدائي .

التلاميذ بدورهم يعرفون قواعد اللعبة و بالتالي يتسابقون بداية السنة عند الأساتذة النافخين فالمعدل مضمون و هذا الأخير يزيد أو ينقص حسب قدرة التلميذ المشاركة في السوايع التي تحولت إلى رشاوى تهدى للأساتذة ،فلا يتردد التلاميذ في الإشادة بالأستاذ النافخ  و كرمه الحاتمي ، في مقابل التنقيص من الأستاذ الصارم في التنقيط ووصمه بأقبح النعوت :بخيل جلدة …..

بعض المديرين لايخفون امتعاضهم من الأستاذ صاحب الضمير المهني والذي يمنح النقط لمن يستحقها و فق مبدأ تكافؤ الفرص ،و في الجانب الآخر يشيدون بالأستاذ النافخ و باداءه التربوي الجيد بل يراسل النيابة لمنحة شواهد تقديرية وإعطائه الأولوية في التكوينات و ساعات الدعم المؤدى عنها .و الحال أن السيد المدير يبني تصوره المقلوب هذا على ظاهرة لازالت تؤثث مؤسساتنا التعليمية و هي أن المؤسسة الناجحة هي التي تحتل المراتب الأولى في التنقيط على مستوى النيابة بغض النظر عن كون هذه النقط تعكس بالفعل مستوى التلاميذ أم فقط مبالغ فيها ،ومن يلقي نظرة على نقط المراقبة المستمرة بجميع مستويات الإعدادي و الثانوي التاهيلي و يقارنها بنقط الامتحانات الاشهادية  سيلاحظ تباينا بعيدا .

2 – ثقافة الولاء بدل ثقافة الانجاز.

في كتابه القيم (1)يتحدث مصطفى حجازي عن ثقافة الولاء التي تعيش عليها البلدان المتخلفة و التي تساهم في تكريس الواقع في مقابل ثقافة الانجاز .و يقوم الولاء على  التبعية للآخر ،فالثواب و المنفعة لا تقومان على الانجاز و الأداء بل على مقدار الولاء و الحظوة .هذه الظاهرة تلقي بظلالها على مؤسساتنا  التعليمية بل إن الحديث اليوم عن مدرسة النجاح و النظر إليها كعروس حديثة عهد بعرسها من خلال الاعتناء بأقسام جيل مدرسة النجاح ماهو إلا دفاعا عن نظام تعليمي يركز على الشكليات و يلغي الجوهر .فالتلميذ يعلن الولاء للأستاذ و هذا الأخير يطيع أوامر مديره من خلال النفخ في النقط حيث تظهر لنا المراقبة المستمرة بما فيها الباكالوريا مستوى عال للتلاميذ لكن بمجرد الإعلان عن نتائج الامتحانات الاشهادية  حتى تظهر حقيقة مستوى التلاميذ .

قد يدافع بعض الفضلاء عن النفخ في التنقيط مرة بالمستوى المتدني للتلاميذ ،و أيضا أن بعض الثانويات التاهيلية تتساهل في التنقيط و بالتالي فحظوظ النجاح لتلاميذها كبيرة جدا ،لكن هذا ليس إلا الشجرة التي تخفي وراءها تجدير ثقافة الو لاءات في مقابل ثقافة الانجاز التي قدمت اليابان و الصين… .فالنفخ في النقط لن يفيد التلميذ في شيء الافي ترويضه على الاتكالية و الغش و التواكل .كما أن ذلك لن ينفع تعليمنا و لامجتمعنا في شيء وما الخرجات الإعلامية لوزير التربية الوطنية منذ توليه المسؤولية إلا تعبير عن واقع الأزمة التي و صل إليها التعليم في طبعته المغربية . 

3 – دفاعا عن كفاءة الاستاذ و كفاءة التلميذ

          اعتقد إن الوقت حان لإعادة النظر في صيغ التقويم الحالية التي تكرس العبودية و الو لاءات.نعم الاحترام المتبادل  و اجب بين مختلف اقطاب العملية التعليمية و ينبغي مأسسته تشريعيا من خلال إعادة النظر في القوانين الجاري بها العمل بما فيها القانون الداخلي للمؤسسة و  التشريع الإداري و التربوي.لكن المطلوب أيضا هو التأسيس لثقافة الواجب أولا داخل مؤسساتنا التعليمية المبنية على الكفاءة و الاستحقاق ، وهذا لن يتأتى إلا  بإلغاء الخريطة المدرسية و منح هامش من الحرية للأساتذة     بعيدا عن أية و صاية أو تعليمات ، أيضا تفعيل آليات التفتيش على الأقل مرة واحدة كل سنة ومنح الأستاذ نقطة عددية تحتسب في الامتحانات المهنية الى جانب الاختبارات الكتابية .

أما فيما يتعلق بالتلميذ،فينبغي توفير شروط اعادة ثقته في المؤسسة التعليمية ،فالمؤسسة ينبغي أن تكون مفعمة بالحياة كما جاء في الميثاق من خلال فضاءها الاخضر وتوفرها على مكتبة خاصة وقاعة كبيرة للمطالعة الحرة ،و قاعة للأنشطة الترفيهية كالمسرح و الالعاب الهادفة، ايضا طاقم اداري نشيط،هذا من جانب ومن جانب اخر تفعيل الية التكرار كحق للتلميذ من السنة الاولى ابتدائي من خلال التركيز على كفايات ثلاث معروفة وهي القراءة والكتابة والحساب  بحيث لايسمح لاي تلميذ ان ينتقل الى الصف الموالي الا اذا حقق هذه الكفايات ،واجراء امتحان اقليمي نهاية السادس ابتدائي حيث يشرف على تصحيحه أساتذة مشهود لهم بالكفاءة التربوية،و يتمتعون بضمير مهني عال ،وهذا ينسحب أيضا على امتحان الثالثة ثانوي اعدادي.

 صحيح أن النتائج ستكون كارثية لسنوات ، لكن اعتقد أن الدفاع عن كفاءة التلميذ وكفاءة الاستاذ في اطار ما نسميه بمدرسة المستقبل لهو السبيل الوحيد لصناعة جيل يتمتع بمستوى دراسي عال في مدرسة عمومية  مفعمة بالحياة و بالكفاءة.

1 – الانسان المهدور :الدكتور مصطفى حجازي.

                                   عبد الكريم الجعفري-زاكورة

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.