درعة في الفترة الوسيطية‎

0 1٬182

اكتسبت درعة في المصادر الوسطية ثلاث دلالات مجالية ( النهر، المدينة، إقليم) [1]. يذكر صاحب (المسالك والممالك) في القرن 5هـ/11م، درعة بقوله: «مدينة درعة يقال لها (تيومتين) وهي قاعدة درعة وهذه المدينة عامرة، بها جامع وأسواق جامعة، ومتاجر رابحة، وهي في شرق من الأرض… وعلى وادي درعة شجر كثير وثمار عظيم وهناك شجر التاكوت يشبه شجر الطرف وبها تدبغ الجلود الغدامسية، وعلى وادي درعة سوق كل يوم من أيام الجمعة في مواضيع مختلفة منه معلومة وربما كان عليه في اليوم الواحد سوقان وذلك لبعد المسافة، وكثرة الناس عليه، وطول عمارته المتصلة سبعة أيام»[2]. نستشف من قول البكري أن بلاد درعة كانت عامرة دون أن يذكر نوع المعمرين، وما يهمنا من قوله أنها كانت بلاد نشيطة من حيث التجارة والفلاحة من خلال إشارته إلى الأسواق العامرة والكثيرة، والى الغطاء النباتي الذي كانت تزخر به المنطقة [3] .

وذكر العلامة ابن خلدون في كتابه (العبر) أن ” وادي درعة ينحدر إلى القبلة، إلى أن يصب في الرمل .. وفيه قصور لا تحصى، شجرها النخل وقاعدته بلاد تادنست”[4]. وهذا القول دليل على أن درعة بلاد شاسعة وعامرة. وينقل المنوني عن صاحب (الاستبصار) قوله عن وادي درعة بأنه “عليه الجنات الكبيرة، فيها جميع الفواكه : من النخل والزيتون وغيرها”،[5]  وهذا يبرز غنى هذا الوادي بتماره وفواكهه وعظم عمارته.

أما صاحب (نزهة المشتاق)، فيعتبر درعة مجموعة من القرى الكبيرة والمتصلة ” ودرعة ليست بمدينة يحوطها سور ولا حفير، وإنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة … وبها نخل كثير وأنواع من التمر يسمى البرني[6]، وهي خضراء جدا وحلاوتها تفوق كل حلاوة[7]

تبرز المصادر السابقة الذكر، أن مجال درعة عرف ازدهارا عمرانيا مهما، خاصة في العصور الوسطى، إلا أن المنطقة عرفت  في عصور لاحقة خراب هذه العمارة، نتيجة تعاقب دورات الجفاف الحادة وتعرض المنطقة للأوبئة والأمراض الفتاكة، التي لا تكاد ترفع عن جهة، حتى تنزل ضيفا ثقيلا على جهات أخرى من البلاد[8]، وقد عرفت واحات درعة في هذه الفترة تحولات كبرى بعد تراجع السلطة المركزية، وهو ما عرف بظهور المشيَخَات الكبرى[9] في واحات درعة، وتباينت حدة تحكم هذه المشيخات بين الواحات الجنوبية[10] (واحة فزواطة ، لكتاوة، محامد الغزلان). أما الواحات الشمالية (ترناتة، تنزولين ومزكيطة) فقد عرفت نوعا من الاستقرار تحت إمارة تنسيطة المزاورية[11].

[1] – أحمد البوزيدي، مادة درعة، معلمة المغرب، الجزء 12،  إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا،2000، ص 3992.

[2]– أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر  بلاد افريقية والمغرب وهو جزء من كتاب المسالك و الممالك، مصدر سابق، ص156. انظر تعليق صاحب طليعة الدعة  على ما ورد عند البكري حول مدينة درعة، مصدر سابق، ص3.

[3] – حول موضوع النبات بنهر درعة انظر، محمد حمام، لمحة مختصرة عن تراجع بعض الموارد النباتية و الحيوانية والمعدنية في  منطقة درعة، ضمن أعمال ندوة البيئة بالمغرب معطيات تاريخية وأفاق تنموية : منطقة درعة نموذجا، مرجع سابق، ص126.

[4] – عبد الرحمان ابن خلدون، كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذو السلطان الأكبر، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، مكتبة دار الأفكار الدولية، الرياض، بدون تاريخ.

[5] – محمد المنوني، حضارة وادي درعة من خلال النصوص و الآثار، مرجع سابق، ص 5.

[6] – البرني من أصناف التمور المهددة بالانقراض في واحات درعة.

[7] – الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الأفاق، مركز زايد للتراث والتاريخ، 2000، ص312.

[8] – أحمد البوزيدي، مادة درعة ،معلمة المغرب،  مرجع سابق ، ص 3994.

[9] – ظهرت هذه المشيخات قبيل قيام الدولة السعدية، منذ أواسط القرن 8هـ/14م إلى غاية مطلع القرن 10هـ/16م، في القصور الكبرى، بواحة محامد الغزلان ولكتاوة وفواطة. (انظر احمد البوزيدي، التاريخ الاجتماعي لدرعة مطلع القرن 17 إلي مطلع القرن 20، مرجع سابق، ص65).

[10] – حول ظروف هذا الغلايان الذي عرفته هذه الواحات الجنوبية في هذه الفترة، انظر، أحمد البوزيدي، التاريخ الاجتماعي، مرجع سابق، بداية من الصفحة 65الي 73.

[11] – نفسه ،ص73.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.