الخطاب السامي لجلالة الملك إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد

0 965

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مساء أمس الثلاثاء، خطابا إلى شعبه الوفي، بمناسبة عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى السادسة و العشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين.

و في ما يلي نص الخطاب الملكي السامي :

“الحمد لله، و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله و آله و صحبه.

شعبي العزيز،

يشكل الإحتفال بعيد العرش المجيد، مناسبة سنوية لتجديد روابط البيعة المتبادلة، و مشاعر المحبة و الوفاء، التي تجمعنا على الدوام، و التي لا تزيدها الأيام إلا قوة و رسوخا.

و هي مناسبة أيضا للوقوف على أحوال الأمة : ما حققناه من مكاسب، و ما ينتظرنا من مشاريع و تحديات، و التوجه نحو المستقبل، بكل ثقة و تفاؤل.

لقد عملنا، منذ إعتلائنا العرش، على بناء مغرب متقدم، موحد و متضامن، من خلال النهوض بالتنمية الإقتصادية و البشرية الشاملة، مع الحرص على تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة.

فما حققته بلادنا لم يكن وليد الصدفة، و إنما هو نتيجة رؤية بعيدة المدى، و صواب الإختيارات التنموية الكبرى، و الأمن و الإستقرار السياسي و المؤسسي، الذي ينعم به المغرب.

و إستنادا على هذا الأساس المتين، حرصنا على تعزيز مقومات الصعود الإقتصادي و الإجتماعي، طبقا للنموذج التنموي الجديد، و بناء إقتصاد تنافسي، أكثر تنوعا و إنفتاحا؛ و ذلك في إطار ماكرو – إقتصادي سليم و مستقر.

و رغم توالي سنوات الجفاف، و تفاقم الأزمات الدولية، حافظ الإقتصاد الوطني على نسبة نمو هامة و منتظمة، خلال السنوات الأخيرة.

كما يشهد المغرب نهضة صناعية غير مسبوقة، حيث إرتفعت الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف، لاسيما تلك المرتبطة بالمهن العالمية للمغرب.

و بفضل التوجهات الإستراتيجية، التي إعتمدها المغرب، تعد اليوم، قطاعات السيارات و الطيران و الطاقات المتجددة، و الصناعات الغذائية و السياحة، رافعة أساسية لإقتصادنا الصاعد، سواء من حيث الإستثمارات، أو خلق فرص الشغل.

و يتميز المغرب الصاعد بتعدد وتنوع شركائه، بإعتباره أرضا للإستثمار، و شريكا مسؤولا و موثوقا، حيث يرتبط الاقتصاد الوطني، بما يناهز ثلاثة ملايير مستهلك عبر العالم، بفضل إتفاقيات التبادل الحر.

كما يتوفر المغرب اليوم، على بنيات تحتية حديثة و متينة، و بمواصفات عالمية.

و تعزيزا لهذه البنيات، أطلقنا مؤخرا، أشغال تمديد خط القطار فائق السرعة، الرابط بين القنيطرة و مراكش، و كذا مجموعة من المشاريع الضخمة، في مجال الأمن المائي و الغذائي، و السيادة الطاقية لبلادنا.

شعبي العزيز،

تعرف جيدا أنني لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الإقتصادية و البنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الإجتماعية، و في جميع المناطق و الجهات. لذا، ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، و تعميم الحماية الإجتماعية، و تقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه.

و قد أبانت نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، عن مجموعة من التحولات الديمغرافية و الإجتماعية و المجالية، التي ينبغي أخذها بعين الإعتبار، في إعداد و تنفيذ السياسات العمومية.

و على سبيل المثال، فقد تم تسجيل تراجع كبير في مستوى الفقر متعدد الأبعاد، على الصعيد الوطني، من 11,9 في المائة سنة 2014، إلى 6,8 سنة 2024.

كما تجاوز المغرب، هذه السنة، عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول ذات “التنمية البشرية العالية”.

غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر و الهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية و المرافق الأساسية.

و هو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، و لا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الإجتماعية، و تحقيق العدالة المجالية.

فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين.

شعبي العزيز،

لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، و تدارك الفوارق الإجتماعية و المجالية.

لذلك ندعو إلى الإنتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الإجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.

هدفنا أن تشمل ثمار التقدم و التنمية كل المواطنين، في جميع المناطق و الجهات، دون تمييز أو إقصاء.

و لهذه الغاية، وجهنا الحكومة لإعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، و تكريس الجهوية المتقدمة، و مبدأ التكامل و التضامن بين المجالات الترابية.

و ينبغي أن تقوم هذه البرامج، على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، و مشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص :

– أولا : دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الإقتصادية الجهوية، و توفير مناخ ملائم للمبادرة و الإستثمار المحلي؛

– ثانيا : تقوية الخدمات الإجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية و التعليم، و الرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، و يكرس العدالة المجالية؛

– ثالثا : إعتماد تدبیر إستباقي و مستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي و تغير المناخ؛

– رابعا : إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في إنسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد.

شعبي العزيز،

و نحن على بعد سنة تقريبا، من إجراء الإنتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري و القانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لإنتخابات مجلس النواب، و أن تكون معتمدة و معروفة قبل نهاية السنة الحالية.

و في هذا الإطار، أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد، للإنتخابات التشريعية المقبلة، و فتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.

شعبي العزيز،

بموازاة مع حرصنا على ترسیخ مكانة المغرب كبلد صاعد، نؤكد إلتزامنا بالإنفتاح على محيطنا الجهوي، و خاصة جوارنا المباشر، في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق.

و بصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح و ثابت؛ و هو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية و تاريخية عريقة، و تربطهما أواصر اللغة و الدين، و الجغرافيا و المصير المشترك.

لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، و عبرت عن إستعداد المغرب لحوار صريح و مسؤول؛ حوار أخوي و صادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.

و إن إلتزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، و قدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف.

كما نؤكد تمسكنا بالإتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون إنخراط المغرب و الجزائر، مع باقي الدول الشقيقة.

و من جهة أخرى، فإننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية.

و في هذا الإطار، نتقدم بعبارات الشكر و التقدير للمملكة المتحدة الصديقة، و جمهورية البرتغال، على موقفهما البناء، الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه، و يعزز مواقف العديد من الدول عبر العالم.

و بقدر إعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق و الشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه و لا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.

شعبي العزيز،

نغتنم مناسبة تخليد عيد العرش المجيد، لنوجه تحية إشادة و تقدير، لكل مكونات قواتنا المسلحة الملكية، و الدرك الملكي، و الإدارة الترابية، و الأمن الوطني، و القوات المساعدة و الوقاية المدنية، على تفانيهم و تجندهم الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن وحدة الوطن و أمنه و إستقراره.

كما نستحضر بكل خشوع، الأرواح الطاهرة لشهداء المغرب الأبرار، و في مقدمتهم جدنا و والدنا المنعمان، جلالة الملكين محمد الخامس و الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما.

و مسك الختام، قوله تعالى : “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف”. صدق الله العظيم. و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته “.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.