الإعلام المغربي : المتون الإيديولوجية،ل”حريم” القفطان 2/2

0 474

تتقاذفك يمنة ويسرة، مدا وجزا،الأمواج العاتية للطبخ والبؤس،ثم تلقي بك عند مرافئ كرنفالات أخرى أضحت تحتفي أكثر من الاحتفال ب ”فلكلرة”القفطان المغربي،هذا اللباس المنتمي فعلا إلى موروثات المجتمع،لكنه صار راهنا على الأقل إعلاميا،قضية وجودية وحضارية كبرى،وبمثابة رؤية العالم المطلقة،لفهم تراثنا واستيعابه وإعادة توظيفه معرفيا في سياقات صراعات القوى المعاصرة!! . هكذا،ألفنا حين تواتر أخبار التمثيل الثقافي”السياحي”للمغرب دوليا، خلال أسابيع في أوروبا خاصة،التفكير مباشرة في عروض ”التكشيطة ”و”الطواجن” و”الطنجية” و”التقيتيقات” و”الشوا” و”براريد” الشاي،المتعالي صبيبها نحو عنان السماء،دليلا على رخائنا الاقتصادي، وما ننعم به من بحبوحة اجتماعية.

لباس القفطان،أصيلا ومعاصرا،محافظا وحديثا،بأكمام أو دونها،حسب موديلات، تكاد ترتقي مع المتون الإيديولوجية للخطاب الإعلامي الرسمي،صوب أطروحة محلية وقومية نادرة،بغية المساهمة في تطوير الفكر العالمي، والانتقال به من بنية نحو ثانية،أكثر استجابة لهموم الإنسان المعاصر،والمساهمة في إيجاد حلول للمشاكل القيامية المصيرية التي يواجهها وسيواجهها :تآكل المناخ،الحروب،النزاعات السياسية،الأمراض والأوبئة الفتاكة،الجوع، الفقر… .  

لذلك،فتنامي الدعوات قصد الانكباب على ورشات ومشاريع القفطان،وتفريغ مختلف ممكناته،ثم ما يقتضيه الاجتهاد من مواكبة إعلامية متأهبة، تتعبأ لها الأجهزة الإيديولوجية،عبر مركزة حلقة مفصلية رابطة بين تسييس الطبخ، وتتفيه البؤس المعاش، والتعتيم على كنهه وجوهره ومضمونه،الذي تكابده لأسباب سياسية وتضميناتها، جحافل هائلة.

إذا كان الغرب قد ولج منذ زمن طويل منظومة إيتيقية،لم يعد في إطارها من مجال يذكر، لمقاربة المظهر الفيزيائي للمرأة،باعتباره إنتاج ثانية لبنيات لاواعية محكومة بسلط القهر المادي والعنف الرمزي كما حدده بيير بورديو،فإننا في المغرب بصدد العودة القهقرى بكليانية كيان المرأة،إلى مجرد قماش قفطان فضفاض مزركش، و مِرآة، وأصباغ، وتجميل اصطناعي، وزواج، وطلاق وأولاد،أي كل ما تطويه أنساق القفطان البالية.بمعنى، ثقافة الحريم وعصر السرايا،مما يضرب للأسف الشديد صميميما،كل المعارك التحررية التي قادها اليسار المغربي،طيلة عقود بهدف إخراج المرأة من براثين المجتمع البطريركي الذكوري المستبد والمتخلف،بالفعل والممكن،ثم الارتقاء بها من وضعية السلعة –المتعة،ومجرد غنيمة من غنائم البنيات ماقبل – الرأسمالية،إلى كائن بشري.

إذن،امتثالا للعلاقات العلية بين التكريس الإيديولوجي لمجتمع يقضي يومياته في تتبع مسابقات الطبخ وريادة الطباخين،ثم تكسير الروتين بتمليه فرجويا ومسرحيا على بؤسه المعيشي،بين طيات البؤس الفكري والاستغباء الذهني لتلك البرامج الإعلامية، التي تبتغي كما يدعي أصحابها، تطوير مشاعرنا البشرية، بإثراء حواسنا جماليا، وتفتيق عقولنا وملكاتنا!!

إعلام،يعيد إنتاج على جميع المستويات،البنيات العتيقة جدا لمنظومة الحريم،حيث تؤثث الضيفات المشهد والديكور،على النحو التالي :ارتداء قفطان بطريقة استعراضية فولكلورية،لا تخلو كليا من تركيز أبله مقصود على المظهر الخارجي:((استدعاء النساء الدائم لمظهرهن الفيزيائي،يزعزع استقرارهن ويختزلهن إلى رتبة أشياء معروضة))(فاطمة المرنيسي،الحريم الأوروبي،ص238).وما يتوخاه الأمر،باختزال حقيقة المرأة إلى إغواء لا غير،كما سيعكسه جليا، حوارها التافه، والموغل في السطحية مع المنشط :فارس الأحلام، زواج البوغوسة بالبوغوسbeau goss ، الزين، الماكياج، تصفيف الشعر، الحاجبين،العيون،عمليات التجميل،مسابقات الجمال، المال،اللوك، الفيلا، السيارت،التخربيق…،بحيث حين تجميع هذه الكلمات- المفاتيح،وتلقينها للفتاة المغربية الجديدة والمستقبلية،كما ترسي معالمها الأجهزة الإيديولوجية لأعلام الطبخ والبؤس،سيكتشفها الواحد تنضيدا كرونولوجيا للقطات سيناريو بهذه المتواليات :تتزين فتاة بقفطان،جالسة من الصبح حتى المساء،تتابع برامج الطبخ والموضة وتفاصيل المسلسلات المكسيكية والبرازيلية،مشتغلة في غضون ذلك،على شكلها الخارجي،تتهيأ للمشاركة في مسابقات”ميس المغرب”،بالتالي لا تخلو قبضة أناملها من مِرآة وبجانبها حفنة مساحيق،أو كما عبرت عن ذلك إحدى ”أيقونات” ضحالة راهننا المعرفي والفكري،المٌروج لها إعلاميا باعتبارها رمزا ونموذجا للمرأة المغربية المعاصرة، بقولها :”ما كيخاوش صاكي من عكير !!”،بمعنى التصاقها الهوياتي والماهوي،بالصاروخ المسقط لأعتى الأعمدة الذكورية، المتمثل في الفعل السحري ل”أحمر الشفاه”:((المرأة التي لاتستعمل غير جسدها-أي جسدها دون دماغها-هي بالضرورة عاجزة عن تغيير وضعها))(فاطمة المرنيسي،الحريم الأوروبي،ص79)، تترقب الفارس الوسيم المخنث، المُلاحق بدوره على مواقع التواصل الاجتماعي،والمُتحرش به ليلا ونهارا، واقعيا وافتراضيا،بسبب لعنة وسامته، من طرف حشد عرمرم،على شاكلة الصورة البانورامية للشابات اللواتي يتضرعن السماء والأرض، كي تتاح لهن فرصة، لدقيقة ”بَسْ”أمام لجنة اختيار أفضل صوت عربي،والتملي ببهاء أعضائها!!غير أنه تجاهلهن جميعا،واختارها شخصيا، بشحمها ولحمها،كي يحلق بها بعيدا نحو عوالم الخدم والحشم.

حتما، ”فلكلرة” القفطان ومأسسته إيديولوجيا،وما يضمره التطلع من ثقافة في غاية الرجعية والتخلف والتبخيس لقيمة المرأة وعرقلة تطوير المجتمع،نحو الحداثة الحقيقية،ربما أثار النقاش القديم-الجديد،والجديد-القديم،المتعلق عند المرأة تحديدا بعلاقة الجمال بالذكاء،انسجاما مع الإشكال الذي قاربته المرحومة المرنيسي بمتانة علمية :جميلة وبلهاء،أم ذميمة وذكية؟ثم دور الذكاء وبناء الأدمغة،في خلق نسوة متحررات داخليا،سويات وسليمات نفسيا و مشاعريا،ينهضن بمشروع تحديث مجتمعهن شكلا ومضمونا،برفقة طبعا رجال أذكياء،متحررين داخليا وأسوياء وسليمين نفسيا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.