هرسوا هرسوا الحكومة تخلصوا

0 372

 ذ. حساين  المامون – 

تصدرت مدينة الدار البيضاء نشرات الأخبار، وعناوين الصحف، بعد الحوادث المروعة الذي وقعت قبل ومع نهاية المباراة التي جرت بين الرجاء البيضاوي والجيش الملكي، وكان حصيلتها تخريب همجي للملكيات الخاصة والعامة ، هذا غير عشرات الإصابات، حيث سارعت وسائل الإعلام لتغطية هذه الأخبار الهامة من ناحية، والغريبة من ناحية أخرى، فشغب الملاعب حدث اعتدنا سماعه بشكل أسبوعي . أما أن يكون بتلك الطريقة الممنهجة في غياب أو تغيب للأمن فهذا الغريب.
فحين يطرح الموضوع للنقاش تتفتح كل الأفئدة وتسمع كثيرا من التحليلات والتفسيرات، خصوصا في البرامج التلفزيونية الرياضية ، وتشير كل أصابع الاتهام لجهات مشبوهة أو الفئات المحسوبة على بعض الجماهير، وأنها مؤامرة دنيئة تتعرض لها الجماهير العاشقة والمسالمة لهذا الفريق أو داك، وفعلا يتم بت وصلات اشهارية للروح الرياضية لكنها لم تحل خيوط هذه الظاهرة، لأنها لا تقف على الأسباب الرئيسية لتلك الأحداث، فحادثة الدار البيضاء تثبت انعدام هيبة الأمن في وجه سطوة الفوضى العارمة التي تضرب في نفوس كثير من المناصرين للفريقين، وبالطبع فان حالة الفوضى التي شاهدناها هذه وانعدام الأمن تصبح فرصة لأي متربص برزق المواطنين البسطاءفالمثال واضح في هذه الحالة، هيبة الدولة إما تظهر فتقهر المواطنين، وإما أن تختفي فيموت المواطنين كما يقول كانط ادا كانت الدولة قوية سحقتنا وادا كانت ضعيفة هلكنالذا فلا يعقل هنا أن شخصا أو اثنين قاموا بكل هذا الخراب، فهناك المئات من المواطنين الذين اكتو بنار هذه الهمجية ، والغريب أن مثل تلك الحوادث تتعارض مع كل ما نسمعه عن حالة الاستثناء ومغرب الأمن و الأمان والحق والعدالة.

فالمتمعن في المشهد، وبعيدا عن كيل الاتهامات وإلقاء المسؤولية على أطراف بعينها، يتساءل عن دور المواطن في حفظ امن وسلامة بلاده، فهناك مواطنين يحملون المسؤولية لجهات رسمية في تغييب الأمن أو غيابه ، إضافة إلى ذلك فالظاهرة تلوح مركبة و فائقة التعقيد تماما كما تركيبية المجتمع المغربي، إذ تتداخل في صناعتها عوامل متعددة الأبعاد و المستويات، تتوزع بالأساس على أسباب اجتماعية و تربوية و ثقافية و اقتصادية و سياسية، و هذا ما يوجب التحليل التركيبي لمستوياتها أملا في الفهم و التفسير.
فبممارسة بسيطة لنوع من السوسيولوجيا العفوية يتضح أن غالبية ممارسي الشغب تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 22 سنة، و ينحدرون بنسب عالية من أحياء الصفيح و مناطق السكن العشوائي التي أخطأتها مشاريع التنمية، كما أنهم ينتمون إلى أسر فقيرة تعوزها إمكانيات العيش الكريم، و هم فضلا عن ذلك انقطعوا مبكرا عن الدراسة و لا يعملون إلا بشكل مؤقت في مستوى الأعمال الحرفية، أو لا يعملون بالمرة.
كما يلاحظ بأنهم يتعاطون المخدرات، و قد سبق لبعضهم أن مر من تجربة السجن، إنه البورتريه الأكثر تركيبية للمشجع الرياضي الذي يتمسك بدروب الشغب، و ينخرط في الفوضى الرياضية التي تعقب الهزائم أو الانتصارات. لهذا يصير الشغب احتجاجا بديلا عما يعانيه هؤلاء الشباب من تهميش و إقصاء، فثمة بحث عن هوية و انتماء جديدين، بمواصفات مختلفة تنتفي من جنباتها إمكانات التهميش. و بما أن الوطن لا يقدم هذه الفكرة على أحسن وجه، فإن الشغب الرياضي و العنف المضاد الذي يرافقه يظل جوابا محتملا على قلق الهوية و الانتماء في هذا الهنا و الآن.فما شهدته الدار البيضاء يوم الخميس يعبر عن حالة من الفوضى الاجتماعية تغيب فيها عناصر الضبط الاجتماعي، و تتعالى فيها بالمقابل إمكانيات و ملامح العنف و الانفلات و الصراع، فالشغب يندلع بشكل عفوي و يتجاوز سقف مولداته و شروط إنتاجه المباشرة، بسبب افتقاده للتنظيم و الهدفية الاستراتيجية، مما يجعل منها مجرد رد فعل عنيف و هدام، محدود و عابر، محدد مجاليا و اجتماعيا و ليست له مطالب و أهداف واضحة “. مما يفضي بنا إلى القول بأن الشغب الرياضي هو حركة جماهيرية عفوية لا تتردد في اللجوء إلى العنف، محدودة في الزمان و المكان، توجبها عوامل و شروط موضوعية، و تدل على اختلال عميق في النسق المجتمعي. وتصبح مباراة في كرة قدم مناسبة لتفريغ المكبوت السياسي، و الاقتصاص من المسؤولين عن تفاقم المشكلة الموجبة للاحتجاج، و لو بصيغة رمزية، فالقوى التي لم تستفد من عوائد التنمية، أو تلك التي تستشعر أنها استفادت ، أقل مما كانت تتوقع أو أقل من حجم تضحياتها و مساهماتها في هذه العملية ، قد تلجأ إلى ممارسة العنف للاحتجاج على النظام القائم باعتباره المسؤول عن عملية التوزيع، إن الأمر أشبه ما يكون بانتقام من التقسيم غير الطبيعي للعوائد التنموية، على اعتبار أن الحركات الاجتماعية تتحرك وفقا لتطور خطي من الشعور بالغضب إلى فعل احتجاجي للجماهير،و لو بهدف التفريغ و التعويض الرمزي عن المفتقد و المغتصب خطأ و كرها. فالتجمع يولد إحساسا بالقوة والعنف و اللامسؤولية، فالتجمع يجعل عدوانية بعض الأفراد المقموعة عادة، تنفلت من قيودها، إنه يخلق ويحرر، في نفس الوقت، التوترات المتراكمة الناتجة عن خنق الطاقات الفردية والجماعية.

لدا فالجواب الأمني القمعي يكون الأكثر جاهزية للانتهاء من التشجيعات و حوادث الشغب التي صارت تخرج من فضاء الملعب إلى الشارع العام عقب الهزيمة أو الانتصار، و هذا ما يؤكد المنحى الاحتجاجي للشغب الرياضي المغربي، فأحداث الشغب ليست مرتبطة دوما بهزيمة الفريق بل حتى في حالة الانتصار و الاحتفاء تمارس الجماهير طقس التخريب، مستدمجين تلك القولة القديمة هرسوا هرسوا الحكومة تخلصو “.

ان ما وقع و ما يقع في الملاعب الرياضية و خارجها أيضا من ممارسات الشغب، لا يمكن تفسيره بمنطق الحقل الرياضي فقط، إنه ظاهرة مركبة تتجاوز رقعة الملعب إلى مجموع النسق المجتمعي، فالشغب الرياضي ملمح من ملامح الاحتجاج الاجتماعي بالمغرب، إنه عنوان آخر لمغرب العطب و الاحتقان،
و بالنظر إلى هذه التركيبية التي تبصم ظاهرة الشغب الرياضي، فإن التساؤلات المنذورة للقادم من الأيام، من الممكن أن تتوزع على الحال و المآل، فكيف السبيل إلى إحلال اللاعنف مكان العنف في جغرافيا الرياضة المغربية؟ و كيف يتأتى تحجيم الشغب و إقرار السلم الرياضي؟ و أي المقاربات أجدى و أنفع لتأهيل السلوك الفرجوي الرياضي؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.