إستخدام الذكاء الإصطناعي التوليدي في العملية التعليمية بين الحاجة لمواكبة التطور و تحديات جودة التحصيل الدراسي

0 418

في خضم التحولات الرقمية المتسارعة، أضحى الذكاء الاصطناعي التوليدي أمرا واقعا يفرض نفسه كأداة أساسية في العملية التعليمية، و ذلك بالنظر إلى ما يتيحه من إمكانات هائلة لإنتاج محتوى تفاعلي و إبداعي يساهم في تحديث أساليب التعلم؛ غير أنه، و في المقابل، يثير إعتماد هذه التقنيات من قبل المتعلم العديد من المخاوف و يطرح تحديات شتى، لا سيما تلك المرتبطة بمدى تأثيره على جودة و نوعية التحصيل الدراسي.

و الذكاء الإصطناعي التوليدي هو نوع من تقنيات الذكاء الإصطناعي التي يمكنها تبسيط المهام و إنتاج أشكال مختلفة من المحتوى بما في ذلك النصوص و الصور و البيانات المركبة من أوامر و سياقات بسيطة.

و في هذا السياق، أصبح اللجوء المفرط و غير المضبوط للتلاميذ إلى الذكاء الإصطناعي التوليدي، في مختلف المراحل التعليمية من الإبتدائي و الإعدادي إلى الثانوي، ثم الجامعي، يشكل هاجسا مؤرقا يطرح تساؤلات حول دقة و مصداقية المعلومات التي يوفرها، و مدى إنعكاس ذلك على مستوى التحصيل لدى المتعلمين، خاصة في ضوء سهولة الوصول إلى هذه التقنية دون قيود و لا حتى تكلفة.

و بالرغم من أن المدافعين عن استخدام التلاميذ لتطبيقات من قبيل “شات جي بي تي” يؤكدون أنها تمكنهم من محتوى جذاب يستجيب لتعطشهم لكل ما هو رقمي، و يراعي درجات الإستيعاب لديهم، يحذر فاعلون تربويون من أن الإفراط في إستعمال هذه التطبيقات، خاصة في إنجاز الواجبات يصيب التلميذ بتشتت ذهني، و يؤدي به إلى الخمول، و بالتالي تراجع مستواه الدراسي.

و في هذا الصدد، أكد أستاذ الرياضيات، كريم الدحماني، أن الإعتماد المفرط للتلاميذ على تقنيات الذكاء الإصطناعي التوليدي في إنجاز الواجبات المدرسية بصفة عامة، و المسائل الرياضية بشكل خاص، عوض بذل الجهد في التفكير في حلها يضعف قدرتهم على التحليل و الإستنتاج تدريجيا، مشبها ذلك ب”ضمور العضلة التي لا يتم إستخدامها”.

و أبرز أن حجر الزاوية بالنسبة للمتعلم في المواد العلمية، لاسيما الرياضيات لا يكمن في الحصول على الإجابة بل في إستيعاب الطريقة التي يتم بها حل مسألة رياضية، موضحا أن اللجوء المتكرر للتلميذ إلى هذه التطبيقات يؤدي إلى عجزه في الإمتحان عن تطبيق المنطق الرياضي، إذ أن حل المسائل الرياضية يتطلب بالضرورة تدريبا و جهدا ذهنيا مستمرا.

و أضاف الأستاذ الدحماني، في حديث للصحافة، أنه ينبغي تأطير إستخدام هذه التطبيقات من خلال تدريب التلاميذ على حل أسئلة مركبة تتطلب جهدا إبداعيا بدل الأسئلة المباشرة، ملاحظا أن التلاميذ المتفوقين هم من ينجحون في التوليف بين الجهد الذاتي و مختلف الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا.

من جانبها، أكدت أستاذة اللغة العربية بالتعليم الثانوي، وداد البروحي، أنه أصبح من اللافت جدا اللجوء المتنامي للتلاميذ إلى تقنيات الذكاء الإصطناعي التوليدي للقيام بواجباتهم المدرسية، موضحة أنه من السهل جدا التفريق بين واجب بذل فيه التلميذ مجهودا خاصا وبين آخر اعتمد فيه على تقنيات الذكاء الإصطناعي، على إعتبار أن الأخير يتسم بأسلوب تنميطي و معطيات فضفاضة، غير تلك التي يتم تلقينها للتلميذ في الفصل، و لا تدخل في إطار المقرر الدراسي.

و حذرت البروحي، في حديث مماثل، من أن الإعتماد المفرط على هذه التطبيقات ينعكس سلبا على مستوى التلاميذ، كونه يقوض قدرتهم على الإستقلالية في التحصيل الجيد و التفكير و تطوير الملكات الفكرية و النقدية.

أما الطالبة إيمان بانو فكشفت أنها تستعين بعدة تطبيقات للذكاء الإصطناعي للتأكد من صحة حلها للمسائل الرياضية أو حين تتعثر في حل معادلة ما، و ذلك لأنه الوسيلة الأسهل و الأكثر سرعة، لافتة إلى أنها تحرص على أن يبقى الأمر محصورا ضمن خانة الإستعانة و الإستئناس.

و سجلت في حديث مماثل، أنه ينبغي للتلميذ أن يكون واعيا بماهية هذه التطبيقات و بكيفية إستعمالها، و يقظا إزاء خطورتها، ذلك أنه في الكثير من الأحيان تفتقر إجابات هذه التطبيقات إلى الدقة لتعدد المراجع أو لعدم إعتمادها في المقررات الدراسية الوطنية.

و يرى الأستاذ و الأخصائي في علم النفس الإجتماعي، محسن بنزاكور، أنه لا يمكن الحيلولة دون إستخدام هذه الفئة العمرية لتطبيقات الذكاء الإصطناعي التوليدي، لأنها متداولة بشكل خاص لديها، داعيا إلى دمج هذه التطبيقات في المنظومة التعليمية و تقييد إستخدامها حتى لا تصبح الوسيلة الوحيدة لحل الواجبات المدرسية.

و أوضح في تصريح للصحافة، أن لجوء التلميذ لهذه التطبيقات يأتي في إطار “البحث عن السهل”، الذي لا يتطلب مجهودا يصقل لديه مهارات التطوير و الإبتكار، مسجلا أن “البحث عن السهل” يثير قلقا لدى القائمين على العملية التربوية مخافة أن يتحول مستعملها إلى مجرد مستهلك سلبي تتعطل لديه القدرة على التفكير و النقد.

و يرى الأستاذ بنزاكور أنه يتعين إدماج الذكاء الإصطناعي كتخصص قائم الذات في المناهج التعليمية، حتى يتمكن المتعلم من آليات التعامل معه ضمن مختلف الوسائط و الدعامات التعليمية الأخرى.

و في ظل الإقبال المتنامي للتلاميذ على تقنيات الذكاء الإصطناعي التوليدي، مع ما يصاحبه من تنافس شرس بين مصممي هذه التقنيات على تطوير أشكال و عروض جديدة، يبقى إدماجها في المنظومة التعليمية خطوة لا محيد عنها، تستلزم إبتكار أسلوب مرن و ذكي يكون بمثابة سلاح للمتعلمين، يمدهم بالمناعة ضد الإستلاب التكنولوجي و في الآن ذاته بالقدرة على تطوير مهاراتهم في شتى المجالات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.