إقليم الصويرة يتجه بثبات نحو الإنتقال الطاقي

0 97

أضحت الصويرة (مدينة الرياح)، التي تعد وجهة سياحية ساحرة، على إمتداد السنين، رمزا لإقليم عازم على الإستفادة من مؤهلاته الطبيعية للإنخراط بشكل كامل في ورش الإنتقال الطاقي الذي أطلقته المملكة.

و في قلب هذا الطموح، تعد الرياح، التي تهب بإنتظام على سهول الإقليم و سواحله، موردا محوريا.

و مع سرعة تتراوح في المتوسط بين 17 و 24 كيلومترا في الساعة، تبدو إمكانات الطاقة الريحية بالإقليم واعدة بالنسبة للمغرب.

و مكنت هذه المؤهلات الصويرة من الإرتقاء إلى إقليم رائد في مجال الطاقات النظيفة، منذ سنة 2007، مع تدشين محطة الطاقة الريحية “أمكدول”، في أول مشروع من نوعه، يندرج في إطار بروتوكول “كيوتو”.

و لا يقتصر هذا المشروع في كونه منجزا تقنيا، بل يجسد قدرة المملكة على الجمع بين الإلتزام البيئي و التنمية الإقتصادية.

و على بعد 15 كيلومترا فقط من جنوب مدينة الصويرة، يشكل هذا المشروع البارز، اليوم، نموذجا في مجال إنتاج الطاقة الريحية.

و تستفيد المحطة، من خلال 71 مروحة رياح تبلغ قوتها 850 كيلووات، من ظروف طبيعية إستثنائية، بما في ذلك متوسط سرعة رياح تصل إلى 9 أمتار في الثانية.

و حسب المديرية الإقليمية للمكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب (قطاع الكهرباء)، فإن هذه الوضعية تتيح إنتاجا سنويا قدره 210 جيغاواط/ساعة، و هو ما يكفي لتزويد آلاف المنازل بالطاقة، مع تقليل إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 136 ألف طن سنويا.

و عززت مدينة الرياح، القوية بهذه التجربة الأولى و الناجحة، إلتزامها نحو مستقبل أخضر مع تشغيل في أكتوبر الماضي محطة الطاقة الريحية “جبل لحديد”، الواقعة على طول الطريق الوطنية الرابطة بين الصويرة و آسفي.

و إستنادا إلى المديرية الإقليمية، فقد تم إنشاء هذه المحطة على ثلاث تلال، و تحتوي على 54 مروحة رياح بقدرة 5 ميغاواط لكل منها. و قد تم تصنيع العديد من أجزاء المحطة محليا، ما يؤكد دينامية الصناعة المغربية.

و يتوقع أن يصل إنتاج هذه المحطة إلى حوالي 952 جيغاواط ساعة سنويا، مما يكفي لتلبية إحتياجات مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي 1.2 مليون نسمة، مثل مراكش أو فاس، مع تقليل إنبعاثات ثنائي أكسيد الكربون بـ 580 ألف طن سنويا.

و إلى جانب هذه المشاريع الإستراتيجية، يمتد الطموح الطاقي لمدينة الرياح أيضا، إلى مجال التكوين المهني و البحث العلمي، عبر مبادرات تتوخى تقوية الكفاءات المحلية و تشجيع الإبتكار في هذا الميدان.

و في هذا الإطار، تضطلع المدرسة العليا للتكنولوجيا بالصويرة، التابعة لجامعة القاضي عياض، بدور محوري، إذ تقترح مسالك تكوينية تهم الطاقات المتجددة و التنمية المستدامة.

و أكدت الأستاذة الجامعية بالمؤسسة، خلود كاهيم، أن هذه المسالك المتخصصة تهدف إلى ضمان تكوين جيل جديد من المهندسين و التقنيين القادرين على الإستجابة للحاجيات المتزايدة للقطاع الطاقي و المساهمة بشكل نشيط، في تطور التكنولوجيات النظيفة الملائمة للسياق المغربي.

و أضافت في تصريح للصحافة، أنه بالموازاة مع ذلك، تتعاون المدرسة مع مقاولات وطنية و دولية، وكذا مراكز البحث، لتوفير فرص التداريب للطلبة و مشاريع عملية في مجالات من قبيل تدبير محطات الطاقة الريحية، و النجاعة الطاقية، و تصور حلول مبتكرة من أجل إستغلال الموارد المتجددة.

و أشارت كاهيم، التي ترأس المركز الدولي للبحوث و بناء القدرات، إلى أن هذه المبادرات البيداغوجية يدعمها تنظيم دوري لندوات و أيام مفتوحة و ورشات حول الرهانات المناخية و الطاقية، مفتوحة في وجه المهنيين و عامة الناس، مجسدة بذلك الرغبة في إشراك المجتمع الصويري في دينامية التحول الطاقي، مع تحسيس الأجيال الشابة إزاء التحديات البيئية و ضمان مستقبل مستدام.

و لا يقف إلتزام الصويرة لفائدة الطاقة وحدها، بل يولي الإقليم أهمية كبرى للمحافظة على تراثه الطبيعي، كما يتضح من خلال الإنخراط الدؤوب للمجتمع المدني المحلي في هذه المهمة.

و في هذا السياق، تضطلع جمعية “موغا غرين”، على غرار فاعلين آخرين، بدور خاص و متزايد في هذه الدينامية، إذ تعمل إلى جانب شركائها، على إرساء مبادرات تروم صون المنظومات البيئية الهشة، و تحسيس الساكنة حول الرهانات البيئية، و النهوض بالممارسات المستدامة.

و قال رئيس الجمعية، هشام أكورد، في تصريح مماثل، إن “الهدف يتمثل في تلقين ثقافة إيكولوجية فعلية داخل المجتمع المحلي، حتى يصير كل مواطن فاعلا في التغيير”.

و بفضل مقاربة مندمجة تجمع بين مشاريع طاقية كبرى، و تكوين متطور، و البحث العلمي و التوعية، باتت الصويرة اليوم، نموذجا ناجحا في مجال الإنتقال الطاقي، يجسد لمستقبل مستدام تقترن فيه التنمية الإقتصادية بإحترام البيئة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.