الكفاءة في التعليم :بين نبل العلم ولاكفاءة التدبير !

0 368
سعيـد بوخليـط - باحث مغربي
سعيـد بوخليـط – باحث مغربي

يجدر في هذا المقام،إعادة التأكيد على مسألتين،لامحيد عنهما :

1-أن التعليم،قضية سياسية أولا وأخيرا.بحيث،تتحدد مؤشرات ارتقائه أونكوصه ،بطبيعة التوجه العام للحكم السائد في البلد،بالتالي،ماهو الأفق الذي يتوخاه حقا ويطمح إليه؟.إذا كان رهانه تنظيرا وممارسة،على المشروع الاجتماعي الخلاق التحديثي التقدمي،فبالطبع،سيكون التعليم لحظتها أم المعارك،يتجند لها المسؤول السياسي ومن ورائه الرأي العام،بكل تضحية وتجرد،دون اعتبار من قريب أم بعيد،لتلك الحسابات السياسوية الضيقة والمبتذلة… .

2-أن الشخص التنفيذي،والوزير الذي يتدبر كل آن إجراءات  القطاع اللوجيستية،يفترض في رأيي،كي يتصف بخصال تمنحه الشجاعة المعنوية والأدبية للدفاع قناعة، عن المحدد السابق،أن يكون عالما، باحثا،صاحب تكوين أكاديمي متين،أغرق الساحة الثقافية بكثير من التآليف والمنشورات العلمية.يمتلك،عدة نظرية ومنهجية،تستمد أصولها من النصوص الفكرية الإنسانية الكبرى.عارف،بمسارات إبستمولوجية المدرسة والمدرس والمنظومة التربوية،إلخ.

رجل،من هذا القبيل والطينة،سيبقى ولاؤه أولا للحقيقة وثانيا للتاريخ وثالثا للوطن،فهو المشرف على تربية وتنشئة جيل بل أجيال. ومما،لاريب فيه،أنه على امتداد رقعة العالم العربي،لم نحظى بوزير واحد للتعليم،تتوفر فيه الشروط السابقة،وعلى قدر هائل من الانفتاح والموسوعية والتكوين الفكري الرصين،غيرالعظيم طه حسين،الذي نادى بشعار التعليم مثل الماء والهواء،فأرسى لبنات مجانيته، عبرأداة سياسية تتمثل في زعيم  وطني اسمه جمال عبد الناصر.

كانت مصر محظوظة جدا،بأن عاشت مدرستها لفترة من الفترات،بين أحضان الحميمية الدافئة،لفطنة وبصيرة أستاذ وزير من حجم مؤلف “في الشعر الجاهلي”.

إنها عتبة،نهتدي بها نحو مايسمى ،بالكفاءة التربوية في التعليم المغربي،بمختلف أسلاكه،التي يقصد بها بمعاني ثانية “الجدارة”،”الأهلية البيداغوجية”،الاستحقاق” ،بغية تكريسك ضمن الجسم التدريسي من عدمه.

جميل جدا،وأكثر من رائع،فالكفاءة بمفهومها المتكامل تأطيريا وعلميا،يجدر أن تصير الفيصل المفصلي،للترخيص بتسيير أي قطاع من قطاعات الدولة،كما الحال في العالم المتحضر،”لذلك كن ابن من شئت،و”اكتسب مقاما”،يغنيك محموده عن النسب”. فقط، بجدارتك وما أبديته،من قدرات في مجالك،لم تتأتى لغيرك.

مبدأ كلياني،وقانون أوحد يخضع الجميع لسطوته المعقولة،سواء الوزير القابع في مكتبه الوثير بالعاصمة،لايعرف عن المعاناة الآدمية لمسحوقي الأقاصي،إلا طلاسم حكايا قرأها ذات يوم وهو طفل بين صفحات قصص مزركشة بألوان مثيرة، ترويها بؤساء فيكتور هيغو.أو سواء،ذاك الموظف البسيط،الذي جعل من السراديب المظلمة لبيروقراطية غبية،مبررا كي يدوس على الجميع،باسم انتهازية الممكن،في واقع لايجعل من الممكن قسمة ضيزى.

حينما،ينتفي معيار الكفاءة،يشرع الباب على مصراعيه لأي شيئ غير التميز،فتبدأ جينات الفساد في التوالد  والإستقواء والتعمق،مقابل تحلل وترهل وتفسخ لبنات المنظومة. كيف بوسع السياق،أخذ مساره الطبيعي؟دون أناس،يدركون أشد الإدراك : ماذا يريدون؟ولماذا يقصدون؟ وكيف يصنعون هذا القصد؟.

بهذا الخصوص،يعيش قطاع التعليم،تناقضات صارخة،يمكن اختزالها إجرائيا، في حدين  كبيرين :

من جهة،المنظومة ككل ضعيفة، ولا تعرف مع توالي وتعاقب الألوان السياسية الانتهازية على المغرب،إلا إخفاقات متتالية،كل وزير جديد يتغنى على ليلاه،ويعتبر نفسه عقلا كونيا جبارا،فاضت عنه عقول صغيرة. بالتالي ينظر إلى التعليم وأهله،بمثابة ضيعة لاتختلف قيد أنملة عن باقي الضيعات الأخرى التي يملكها،ومن لايعجبه الوضع فأرض الله واسعة.كل،وزير جديد يجبُّ ماقبله ويبعثر بالملفات السابقة، يمينا وشمالا،متمركزا على نفسه بطريقة سلطوية، مع العلم،أن التعليم مشروع متكامل، منفتح، ترسى دعائمه وفق خطوات تتراكم كما ونوعا،السابق يؤدي نحو اللاحق بانتقاء واجتهاد،تساهم في صنع روافده المتعددة،جميع مكونات المجتمع.بناء يتسامى عن صغائر السياسيين،مادام هو،مصيرللوطن برمته.

منظومة مسار متخلف وفاشل تنمويا،الدليل : دوليا،الرتبة المتأخرة التي يحتلها  التعليم المغربي،حسب مختلف التقارير الدولية،وفي طليعتها بيان البنك الدولي.صحيح،أننا اعتدنا منذ طفولتنا،على خطب من أعلى أجهزة الدولة،اعتبرت دائما التعليم-على الأقل العمومي- قطاعا غير منتج بتاتا،ملتهمللنصيب الأوفر من ميزانية الدولة بعد الجيش. لذا، فالنتيجة منسجمة مع المقدمات ولا لبس فيها،لكن مع هذا يحز في النفس اكتشاف المرء، أن بعض دول جنوب الصحراء،تتفوق علينا في هذا الإطار.

من جهة ثانية،لا أحد ينكر الارتباط المنطقي بين الجزء والكل،ثم استحالة الفصل الإستيتيقي إن جاز التوصيف،بين الشكل والمضمون،بل الأخيرة،حقيقة ميتافيزيقية واهية،مادام الشكل مضمون.

إذن،الإعتراف والإقرار،بتقهقر المنظومة التعليمية المغربية،نتيجة للمحددات المنهجية التي ارتآها أصحاب القرار،فالخلاصة أيضا لا تتضمن تعميما قيميا،فيما يتعلق بكثير من منتمي القطاع،الذي يزخر رغم وضع اليأس،بمجموعة أطر جيدة تشتغل بكيفية ممتازة،تصنع الحياة وسط الموت،بإنتاجاتها العلمية ،وليس أحاديث المقاهي، مدافعة عمليا بكل السبل،عن ذاكرة المدرسة العمومية،التي أنجبت للواقع المغربي،رغم الاستبداد والقمع وسياسات التجهيل المهيكلة،كثيرا من أعمدة الحداثة والتنوير.مدرسة،لازال تراثها،يشكل قارب نجاة،لمن أضاع البوصلة.

هكذا،تجري وزارة التربية الوطنية كل سنة،مايصطلح عليه بالكفاءة التربوية،المنقسم إلى شقين : شق نظري،يهتم بضرورة إجراء المدرس “المتدرب”،لامتحان نظري ،يستفسر حول البيداغوجيا والديداكتيك والتشريع التربوي.

حين نجاحه،يجتاز كفاءة مهنية، تتمثل في زيارة المفتش إلى القسم، قصد معاينته على أرض الواقع،الكيفية التي قدم بها المدرس الجديد،حصة للتلاميذ.هل كان نموذجيا،أم لم يكن؟بعدها،يغدو رسميا ضمن لائحة موظفي الوزارة،أو يستمر في وضعيته المؤقتة حتى اختبار ثان.

طريقة من الطرق،لكن حبذا لو تحلت بمقتضيات الرؤى التطورية الملاحقة لمستجدات المدرسة كما صارت في العالم الحديث.فحينما،نتأمل كيفية مرور تلك الاختبارات،تشعر بعبث شخصيات بيكيت في أوج عطائها.

سؤال عام،وضع كيفما اتفق من طرف شخص ما في مكان ما،أغلبها مترجم بركاكة عن مختصين غربيين،يتكلمون عن مدرسة تبتعد زمنيا عن نظيرتها المغربية،بعد السماء عن الأرض.يلزمك،أن تجيب عليه في ساعتين،ثم تصنف مباشرة ضمن زمرة الأكفاء،من عدمهم؟تماما،مثل وزراء عينوا فقط لأنهم يتكلمون الفرنسية؟فالفرنسية عندنا في المغرب،عنوان على الكفاءة !!!!ياسلام.

إذن،مامعنى كفء في هذا الإطار،بناء على التصور البيروقراطي المحنط؟لقد ملأت بياض ورقة،بعلامات خلال ساعتين،ثم انتهينا !!لذلك،انتهى التدبير التعليمي إلى مايشبه باعة أسواق الجملة،واستأنس المدرسون بدوامةأطارح السلم والنقطة الإداريتين، والفروض الغبية، والأجرة والمحيط الضيق للأكل والمسجد والبارصا والريال،إلخ.

فأين، نحن من مدرسة أدبيات فكر النهضة؟

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.