في الهاوية سقط… فهل يستفيق؟

0 380
2844[2]ضعفت كدنة مستوانا التعليمي، وشابت شواته، وقوست قناته، ودب في عظامه كلال عظيم. فبعدما كنا نتبوأ مكانة مرموقة بين البلدان الرائدة في هذا المجال، أصبحنا اليوم نقبع في مكانة يدنى لها الجبين، وتبكي لها العين الدم بدل الدمع. والعجب كل العجب أن دولا إفريقية وعربية مغمورة لم تكن تعرف حتى بالإسم أصبحت تفوقنا. ألا يحز هذا في النفس؟ ألسنا في حالة يرثى لها؟
إنه لفعلا حالة يتأسف عليها. ولما كان الأمر كذلك وجدنا بعض الغيورين يقفون ليتساءلوا: ما السبب في هذا التخلف عن ركب العلم؟ ما هي الجرعات السامة التي تجرعناها حتى نرمى في براثن هذا التراجع المذل؟ ما هو اللقاح الذي لقحنا به حتى نغط في نومنا العميق هذا؟
إن الكثيرين منا يعزون وجودنا في ذيل الترتيب العالمي إلى افتقارنا لكفاءات علمية نضاهي بها نظراءنا في البلدان الأخرى. من هذا الباب أتحدث لأقول لهم: إنكم مخطئون.لماذا؟ لأننا بلد يتوفر على قدرات متمرسة ولها كفاءات علمية، ولأدل على ذلك من كون العديد من مواطنين نبغوا في علوم عدة، وتراهم يعملون في كبريات الشركات العالمية التي لها شأن عظيم.
وسأجمل في وقفة سريعة الأسباب الحقيقية وراء هذا التخلف:
أول هذه الأسباب، سوء التخطيط الذي يكمن في كون مسؤولينا أساؤوا وضع البرامج. فإذا عدت معي إلى الوراء في وقت قريب ستجد أنهم قاموا بوضع ميثاق جديد بغرض الإصلاح، إلا أن الغريب فيه هو كون البنود التي حواها لا تتوافق البتة مع واقع تعليمي لا تبدو عليه أية نسمة مغذية.
وبعد الفشل الذريع لهذا الميثاق، أردفه القائمون عل الشأن التربوي بمخطط استعجالي قالوا فيه: هذا بغرض تسريع وثيرة الإصلاح. ألا ترى معي بأن هذا هراء؟ في بنية تعليمية مهدودة ! منكسرة عرجاء ننشد الاستعجال؟ ألا ينبغي أن يكون الإصلاح متأنيا؟ أنسوا هؤلاء المثل السائر على ألسن العامة (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة)؟ ألا ترى معي بأن التأني هو الكفيل بالوقوف عند العطب ، عند الجرح، التأني هو الذي يسمح بإصلاح العطب، وتضميض الجرح.
ثاني هذه الأسباب هو استلهام نظريات تعليمية نشأت في بيئة غربية خصبة، وتطبيقها على بنية تعليمية جافة لا أثر للربيع فيها. هناك بالأراضي البلجيكية تفتحت زهرة سماه كزافي روجيرز “بيداوجيا الكفايات”، تلتها أقحوانة سماها “بيداغوجيا الإدماج”، ناهيك عن باقي النظريات التي انبهر بها مسؤولونا وانساقوا وراءها فاشتروها بثمن ياهض، ولم يضعوا نصب أعينهم أنها لا تصلح لبنية تعليمية لا زالت تعرف أقساما متنقلة عبارة عن خيمات تتبع الرحال أينما حلوا وارتحلوا، و أنها تضم أقساما يلج منها ماء المطر من السقوف ليسقط قطرات مومتة على التلاميذ في عز برد شتاء قارس. لا تصلح البتة لواقع قروي ناء يسخر مقعد واحد لأربعة تلاميذ، واقع لازلنا نشاهد المعلم يعاني من القسم المشترك (قسم واحد يحوي المستويات الست للتعليم الابتدائي. واقع يذكرنا بما كنا عليه في سن الرابعة من عمرنا، حيث الشيخ والشاب والطفل مجموعون في مكان واحد يدعى المسيد على حصير بال وأمام فقيه متغطرس. واقع يطعن فيه الأستاذ بالسلاح الأبيض، واقع يصفع فيه الأستاذ.
يبقى هذان السبابان الأبرز من بين الأسباب الأخرى التي آلت بنا إلى هذا الوضع المحزن والمبكي. وحتى نخفف من معاناة منظومتنا التعليمية ينبغي القيام بدراسات علمية دقيقة ترصد كل العوائق التي تعترض سبيل تطور التعليم في بلادنا، ثم تبين مكامن الخلل، لأنه لا يمكن للداء أن يعالج دون تشخيصه. وإن أطلقنا بادرة إصلاحية علينا أن نسهر على إتمامها. مشاريع عريضة نصت لو طبق نصف ما كان حبرا على ورق لكنا في أحسن حال وخرجنا من هذه الدوامة المؤلمة. ميزانيات كبيرة ترصد وتسرق أمام مرأى الجميع، ولكن من يستطيع النهي عن المنكر سيرفع الشأن التعليمي لهذا البلد.
بقلم : عصام بن صالح
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.