أهل القاع والفكر العقيم

0 301

الانسان يتموقع بين الاغتراب والجنون,فالاغتراب في عالم الاشياء التي تشدنا زخارفها ويخدعنا بريقها تحتل احيازا هامة على مستوى تفكيرنا وتحدد انشغالاتنا وترسم حدود افهامنا وتحجب عن اذهاننا مواضيع سامية تِؤرق واقعنا.اما الجنون فهو غوص في ثنايا الذات بغير رجعة,انه سبر لاغوار الدواخل,فالعبارات التي ينطق بها المجنون ليست وليدة الفراغ وانما هي شظايا مونولوج داخلي لا يستطيع اي كان فك رموزه وفهم مغازيه,فهو عبارة عن رغبة دفينة تحاول التعبير عن نفسها محاولة التفلت من مكابح الذات والواقع. فالعاقل يحاول دائما التوازن بين متطلبات عالمه الداخلي الذي يحاول التعبير عن كينونته المكبوتة وبين العالم الخارجي الذي لا يملك منه الا الحظ اليسير,هذا الواقع الذي يسعى جاهدا ان يحتويه وينمحي فيه ويسلبه ملكة تأمل الذات ومعرفة جوهرها وفهم قضاياها فهما سليما.فالذي لا يفهم دواخل نفسه وحاجاتها الحقيقية يعيش واقعا أليما وباستمرار وتتكرر عنده الوقائع وبالتالي يكتسي الواقع صفة القدسية وتزول امكانية فهم ان الواقع هو تصور من الامكان تغييره او ادخال تأثيرات على بنيته العميقة.فالواقع في بداية الامر هو تصور مغرق في الذاتية,هو نتاج فكر فاز بقصب السبق ورسم مسارا لا محيد عنه,وهو فضاء للتدافع والتنافس بين الافكار والتوجهات.والذات المتزنة في حوارها  مع الواقع تحاول دائما كسب الرهان وبالتالي محاصرة الواقع و ترويضه لصالح منافعها وتطلعاتها,فهذه الذات تمثل نموذج كمال الفكر الانساني لانها تصدر عن فكر حي استطاع ان يرسم الحدود ويحدد المسؤوليات ويفصل بين مسؤولية الذات والتزامات الآخر,اما النموذج الآخر من الذوات والذي يمثل اهل القاع مثالا حيا له فهو نموذج لا أثر لفاعلية الذات فيه,لانها انمحت وصارت متماهية مع الواقع والذي بدوره فهم تركيبتها واصبح ينتج افكارا و رغبات على مقاسها للحفاظ على سلبيتها,فعلاقة الفكر والواقع من البديهيات,كلاهما له تأثير,لكن الواقع لا يمكن ان يلغي الفكر الذي يحاول جاهدا ان يرسم  له حدودا.فنوع الفكر وطريقة التفكير و كيفية استغلال الافكار هي امور تنم عن مدى فهمنا للذات وللواقع,فكم من معاناة مجانية يحاول اهل القاع التطبيع معها رغم ان فكرة القضاء عليها تحملها الاذهان, وبالتالي تحرير مساحة فكرية اوسع, وكم من غموض يلف جوانب من حياتهم اليومية ولا يتطلب كشفه سوى استفهام,لكن العبارات تتداخل ليخرج السؤال متقطعا,و كم من حسرات وزفرات دفعت ذواتهم ثمنا باهظا لابتلاعها كان في الامكان التخلص منها بقول كفى,لكن الجرأة والاقدام ليسوا من طباعهم.فافكار اهل القاع لم تتغلب يوما على واقعهم,وانما بقيت حبيسة اليومي, الذي يقتلهم مرارا,دون ان يطرحوا السؤال لماذا نحن بالذات؟لماذا يكذب علينا المسؤولون في كل يوم وفي كل سة وفي كل شهر؟فبداية الوعي طرح السؤال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.