بركة الأمين العام لحزب الإستقلال : “ما ينتظر الحكومة المقبلة هو تنزيل مبادرة الحكم الذاتي وتحقيق مغرب بسرعة واحدة”

0 52

انعقدت الدورة العادية الثالثة للمجلس الوطني لحزب الاستقلال، يوم أمس السبت 29 نونبر 2025 بقصر المؤتمرات أبي رقراق الولجة بمدينة سلا، و ذلك في ظل حضور هام لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، و حضور مكثف لأعضاء المجلس الوطني للحزب الذين حجوا من مختلف جهات و أقاليم المملكة.

و عرفت هذه المحطة التنظيمية الهامة التي ترأس أشغالها عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني للحزب، تقديم نزار بركة الأمين العام للحزب لعرضه السياسي و التنظيمي الهام، إلى جانب فتح الباب أمام المناقشة العامة التي شارك فيها أعضاء المجلس الوطني لإبداء آرائهم و مقترحاتهم المتعلقة بأولويات المرحلة التنظيمية و السياسية المقبلة، بالإضافة إلى المصادقة على تعديلات بعض مواد النظام الداخلي للحزب المتعلقة بإنتخاب اللجنة المركزية للحزب بالإعتماد على البعد الجهوي فيها، و جعله يتماشى مع التحولات الكبرى التي تعرفها بلادنا، و على رأسها ترسيخ ورش الجهوية المتقدمة و تنزيل مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، و مواكبة الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة.

و في مستهل هذا اللقاء، توقف عبد الجبار الرشيدي في كلمته الإفتتاحية لأشغال هذه الدورة عند خصوصية الظرفية الحالية و التي تعرف زخما على مستوى توطيد الوحدة الترابية للمملكة، و حشد الدعم و الإعتراف الدولي و الأممي حول رجاحة و جدية مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، مشيرا أيضا لخصوصية السياق الإجتماعي الحالي الموسوم بالعديد من المكاسب و التحديات.

و أشار رئيس المجلس الوطني على أن إنعقاد هذه الدورة يشكل فرصة لمناقشة القضايا الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، و كذا مناقشة الأداء الحكومي و مساهمة حزب الإستقلال فيها، لافتا إلى عقد الحزب لمجالسه الإقليمية بنجاح في مختلف جهات المملكة، و التي تعكس روح الإلتزام و المسؤولية.

كما هنأ عبد الجبار الرشيدي نزار بركة بمناسبة إعادة إنتخابه نائبا لرئيس الأممية الديمقراطية لأحزاب الوسط و عضوا في مكتبها التنفيذي لولاية جديدة، مثمنا كذلك التعبئة الحزبية القوية و المساهمة الفاعلة لمختلف تنظيمات الحزب و مؤسساته الموازية و روابطه المهنية في عقد أنشطة فكرية و تطوعية.

و في عرضه السياسي والتنظيمي، سلط نزار بركة الضوء على خصوصية الظرفية و الحماس الوطني و الطفرة العالية من الروح الوطنية و الإعتزاز بالإنتماء، في ظل توالي المناسبات الوطنية المجيدة، من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد الوحدة، مرورا بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء المظفرة، و كذا الذكرى 70 لعيد الإستقلال المجيد، و الإحتفاء بالذكرى العاشرة للنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة.

و في هذا الصدد، إستعرض بركة المساهمة التاريخية لحزب الإستقلال في الدفاع عن ثوابت بلادنا و مقدساتها، و إنخراطه على الدوام في الدفاع بِلا هَوَادَةٍ عن القضية الوطنية التي كانت في مقدمة إنشغالاته، و كذا حمل لواء الترافع عنها و حشد الإجماع حولها، و حول مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كَحَلٍّ وحيدٍ لها، في مختلف المحافل الدبلوماسية، و بذلك واكب حزب الإستقلال إنتقال بلادنا من مرحلة تحرير الأرض إلى معركة تكريس السيادة.

و لفت الامين العام إلى أن رهان تكريس السيادة لن يتحقق سوى عبر التحرر من التبعية الإقتصادية و التكنولوجية، و هو ما يعني أن ننتج طاقتنا و موادنا الغذائية و ننجح في التحول الرقمي و نحمي مواردنا إنطلاقا من مصالحنا الوطنية، مشددا على أن المملكة تواصل توجهها الإستراتيجي في هذا الإطار تحت القيادة الرشيدة لجلالة للملك محمد السادس، نصره الله.

و أبرز الأمين العام أهمية الخطاب الملكي التاريخي الذي أكد أن المغرب يعيش مرحلة فاصلة و منعطفا حاسما في تاريخه الحديث، مقتبسا من خطاب جلالته “أن هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 و ما بعده، و أن الوقت قد حان للمغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة” انتهى المنطوق الملكي، معتبرا أن الإعتراف الأممي بجدية المقترح المغربي يشكل إعلانا صريحا بالإنتقال إلى مرحلة جديدة في تاريخ القضية الوطنية، مؤكدًا أن هذه المكتسبات ما كانت لتتحقق لولا الرؤية الرشيدة لجلالة الملك و العمل الدبلوماسي الرصين الذي تقوده المملكة.

و أشار نزار بركة إلى الإنجازات الدبلوماسية الكبيرة التي حققها المغرب، و منها إبرام أكثر من ألف إتفاقية مع البلدان الإفريقية الشقيقة و عودة المملكة إلى الإتحاد الإفريقي و مشروع خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي و إحداث إطار يوحد عددا هاما من الدول المطلة على الواجهة الأطلسية، معتبرا أن ذلك يبرهن على أن المغرب يتمتع بالسيادة التامة عبر شبكة علاقاته المتنوعة مع مختلف الأقطاب الدولية.

غير أن الأمين العام حذر من التحديات التي تواجه المغرب في هذه اللحظة الدقيقة، مشددا على ضرورة الحذر و التعبئة، مشيرا في آن ذاته إلى إشكالية تأخر صدور القرار الأممي بسبب التشويش الذي طال سلامة و دقة الترجمة السليمة لقرار مجلس الأمن إلى اللغة العربية، فضلا عن إشكالية تحديد منشأ المنتجات المغربية القادمة من الأقاليم الجنوبية للمملكة في علاقة المغرب بشركائه الأوروبيين.

و في سياق الحديث عن مقترح الحكم الذاتي، ثمن الأمين العام المقاربة التشاركية التي يتبعها جلالة الملك بشأن تحيين هذا المقترح، مؤكدا أن الحكم الذاتي يجب أن يكرس الوحدة الترابية للمملكة، تماشيا مع مضامين الدستور دون تفريط في أي مقوم من مقومات السيادة الوطنية، موضحا أن الحكم الذاتي يمثل درجة متقدمة من الجهوية، مما يستدعي العمل على إنجاح الجهوية المتقدمة و اللاتمركز الإداري في جميع أنحاء المملكة.

و شدد نزار بركة على ضرورة تحقيق العدالة المجالية و تقليص الفوارق الإجتماعية في جهات الحكم الذاتي كما باقي جهات المملكة، إنطلاقا من مبدأ الإدماج و المشاركة، مشيرا إلى أن المسار التنموي للمغرب عرف تقدما ملحوظا في مجال تقليص الفقر، غير أنه من غير المقبول أن تظل نسب الفقر مرتفعة نسبيا في المناطق القروية مقارنة بالمناطق الحضرية، معتبرا أنه لم يعد من المقبول أن تساهم ثلاث جهات فقط في نصف الناتج الداخلي الخام، و من غير المقبول أن يظل مليون و نصف من الشباب خارج منظومة الشغل و التكوين.

و لفت الأمين العام إلى الحاجة الملحة لبناء مغرب بسرعة واحدة و تحقيق تأهيل ترابي مندمج، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، مشيدا بإسراع الحكومة في تنزيل هذا التوجه الإستراتيجي في مجالي الصحة و التعليم، مشيرا إلى خلق صندوق التنمية الترابية المندمجة بغلاف مالي قدره 20 مليار درهم للنهوض بالمراكز القروية، و ذلك في أفق توفير تعليم في المستوى المطلوب و خلق مصادر دخل قارة، مع العمل على ضمان ديمومة برنامج الدعم الإجتماعي، مؤكدا الحاجة لمراجعة مؤشرات الدعم و إلتزام الحكومة بالعدول عن رفع سعر غاز البوتان.

و شدد بركة على أن التنمية القروية لا يمكن أن تظل رهينة بالأنشطة الفلاحية فقط، مبرزا ضرورة إختيار زراعات مستدامة لا تستنزف المياه، مع تنويع مصادر الدخل لخلق طبقة وسطى في العالم القروي، فضلا عن تطوير السياحة الإيكولوجية و تشجيع التجارة الرقمية و تثمين المؤهلات التي تزخر بها هذه المناطق.

كما دعا نزار بركة إلى مراجعة التقطيع الترابي لتقوية مهام الجماعات الترابية، مؤكدا على أهمية تمكين الشباب و النساء من الإنخراط في مسلسل التنمية، إذ لا يمكن بناء التنمية في ظل كفاءات تهدر، مشيرا إلى أن المشكل الجوهري الذي يعاني منه المغرب هو منظومة القيم و الأخلاق في كل المجالات، معتبرا أنه بدون قيم لن تنهض المجتمعات، و أن دعم النجاح الأخلاقي و الاستحقاق يشكل ركيزة أساسية للنهوض ببلادنا.

و في سياق حديثه عن التدبير المندمج و المستدام للمياه، أشار الأمين العام إلى تغيير المقاربة المعتمدة سابقا، من خلال تنمية الموارد المائية غير الإعتيادية بدل الإكتفاء بالإعتيادية، فضلا عن تدبير الطلب على الماء على المدى البعيد، و تحقيق التضامن بين الأقاليم، سواء من خلال تضامن المدن مع البوادي لتحقيق العدالة المجالية أو من خلال مشاريع الربط بين الأحواض المائية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.